أصبحتالمعلومات في الوقت الراهن صناعة أو ثروة وطنية شأنها شأن الثروات الأخرى التي ينعم
بها المجتمع من طبيعية وبشرية وصناعية وزراعية وغيرها ، بل إن المعلومات تـعد بمثابة
الشريان الحيوي للحياة المعاصرة ، والدعامة الرئيسة لصنع القرار سياسياً واجتماعياً وعسكرياً واجتماعياً .
وقد بدأت المكتبات ومراكز المعلومات في الآونة الأخيرة تركز على صناعة المعلومات ، بما في ذلك إنشاء نظم وقواعد المعلومات المختلفة ، وتطوير البرامج التقنية وتطويعها، وتوظيف التقنية في تقديم خدمات المعلومات المتنوعة ، وتبني برامج البحوث والتطوير ، والاستشارات ، وبرامج التعليم والتدريب ، ودعم التأليف والترجمة والطباعة والنشر، وغير ذلك من أوجه النشاطات الأخرى التي تندرج تحت مظلة الصناعة المعلوماتية بمفهومها الواسع ، وتشكل البنية والتجهيزات الأساسية لهذه الصناعة الحيوية .. الأمر الذي يوحي بأن تلك المؤسسات قد تخطت مرحلة التنظيم والمعالجة إلى مرحلة صناعة المعلومات ، واستطاعت خلال المسيرة التي قطعتها تحقيق إنجازات ملموسة في هذا الصدد .
وتهدف الدراسة الحالية إلى كشف النقاب
* بكالوريوس في المكتبات والمعلومات من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1398هـ.
- ماجستير في علوم المكتبات والمعلومات من جامعة كاليفورنيا عام 1984م.
- دكتوراه في التخصص نفسه من جامعة ويسكنسن عام 1989م.
- يعمل الآن أستاذًا لعلم المكتبات والمعلومات بكلية العلوم الاجتماعية – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
عن مفهوم صناعة المعلومات ، من حيث طبيعته ونشأته وتطوره ، وتوضيح المجالات التي تندرج تحت إطاره ، والوضع الراهن لهذه الصناعة في بعض الدول المتقدمة والنامية ، ومن ثم الخروج ببعض الحقائق التي تعكس في مجملها المقصود بصناعة المعلومات .
ويمكن تحقيق الهدف المشار إليه من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية :
1- ما المقصود بمفهوم صناعة المعلومات ؟
2- ما ظروف النشأة والتطور التي مرت بها حركة صناعة المعلومات .
3- ما حقيقة الوضع الراهن لصناعة المعلومات في بعض الدول ؟
4- ما أبرز نماذج الممارسات الحالية لصناعة المعلومات ؟
5- ما أهم المؤشرات التي يمكن الخروج بها من خلال استقراء البحوث والدراسات المتعلقة بالموضوع قيد البحث ؟
ولتحقيق الأهداف المرسومة سلفاً لهذا الجهد العلمي ، والإجابة عن الأسئلة التي سبق طرحها ، فقد قام الباحث باستخدام المنهج الوصفي ، مع التركيز على منهج البحث المكتبي أو منهج التحليل الوثائقي كما يطلق عليه أحياناً، وهو منهج يقوم على استقراء ما كتب عن الموضوع، ومن ثم الخروج ببعض المعطيات التي تصف وضعه الراهن . وتم دعم هذا المنهج ببعض الأدوات المساندة ، ومن ذلك الاطلاع على التقارير المنشورة وغير المنشورة حول موضوع الدراسة ، وتوظيف الملاحظة وخبرات الباحث في دراسة هذا الموضوع .
ثانياً : مفهوم صناعة المعلومات :
لقد سجل بعض علماء المعلومات والاقتصاد في العالمين العربي والغربي موقفهم من الصناعة المعلوماتية ، وبينوا وجهة نظرهم من هذا المفهوم المعقد. وتفاوتت أساليب معالجتهم في هذا الصدد، فبعضهم تناوله بشكل منفرد بوصفه ظاهرة قائمة بذاتها، والبعض الآخر تناوله ضمن مفاهيم أخرى تتعلق باقتصاديات المعلومات ، والتخطيط الوطني للمعلومات ، وسياسة المعلومات ، وعصر المعلــومات ، ومجتمع المعلومات، وقطاع المعلومات.
وترى ناريمان متولي أن مفهوم صناعة المعلومات يشمل جميع النشاطات المتعلقة بإنتاج المعلومات وتجهيز الخدمات ، حيث صنفت الباحثة هذه الصناعة بوصفها أحد مجالات (اقتصاديات المعلومات) التي تحدد ملامح المجتمع ما بعد الصناعي ، وتمثل أحد دعائم الإنتاج الوطني (متولي : 1995، 50) .
وقد تناول خالد العرفج في رسالته التي نال بها درجة الدكتوراه مفهوم صناعة المعلومات كأحد جوانب السياسة الوطنية للمعلومات ، حيث يرى أن المعلومات تعد في الوقت الراهن ثروة وطنية ذات قيمة ومردود اقتصادي ، وتسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للوطن (العرفج : 1418هـ ، 3) .
وتعنى المؤسسات في القطاعين العام والخاص بصناعة المعلومات ، وبعض تلك المؤسسات يركز على شراء الملكية الفكرية للمؤلفين وغيرهم ، وتعمل على تجهيزها بطرق مختلفة . وهناك مؤسسات أخرى تركز على توصيل المعلومات ، وثمة نوع ثالث من تلك المؤسسات تركز على معالجة المعلومات من خلال صناعة الأجهزة والبرامج . ولا غرابة أن تصبح صناعة المعلومات بما تحتويه من عمليات الجمع والإنتاج والتجهيز والتوزيع مورداً اقتصادياً مهماً في مختلف دول العالم وبخاصة الدول الصناعية الكبرى ، ومن المتوقع أن تشكل هذه الصناعة المورد الأساس للاقتصاد خلال السنوات القادمة (الوردي والمالكي : 2002م ، 180 – 181).
ويذهب ليو زيادونج LUI ZHAODONG في معرض حديثه عن صناعة المعلومات بالصين إلى أنه من الممكن تحديد نطاق هذا المصطلح بحيث يشمل الأنشطة الإنتاجية الشاملة والبنية الأساسية كالبحث والتنمية وتطبيقات التقنية المعلوماتية ، إضافة إلى خدمات المعلومات الموجهة نحو التطوير الاقتصادي . ويقسم زيادونج صناعة المعلومات إلى قسمين كبيرين يتمثلان في : تقنية المعلومات ( والصناعات المرتبطة بها ) ، وخدمات المعلومات . وتشمل الفئة الأولى الإلكترونيات المصغرة ، وتقنية الحاسب والاتصال والوسائط المتعددة MULTIMEDIA والوسائل السمعية والبصرية والتصوير المصغر والنشر الإلكتروني ، إضافة إلى التجهيزات المعلوماتية المصاحبة لهذه التقنية . وتشمل الفئة الثانية ( خدمات المعلومات ) الخدمات التقليدية التي تعتمد على المواد المطبوعة ، والخدمات الإلكترونية التي تشمل المعالجة المحسبة للمعلومات ، وتطوير قواعد المعلومات ، وإنتاج البرامج ، والمطبوعات الإلكترونية ، ونظم الاتصال والشبكات ، وميكنة المكاتب ، وغير ذلك من خدمات المعلومات والأنشطة الاستشارية المعتمدة على الحاسبات وشبكات الاتصال (في : الغندور ومتولي : 2002م ، 151).
ومن بين التعريفات الأخرى التي قد تحدد هوية صناعة المعلومات ، هي أن المقصود بهذه الصناعة المؤسسات الحكومية والخاصة التي تنتج المحتوى المعلوماتي ، والتي تقدم التسهيلات لوصول المعلومات إلى المستفيدين ، والتي تنتج الأجهزة والبرامج التي تساعد على معالجة المعلومات . وبناء عليه يمكن تقسيم صناعة المعلومات إلى ثلاثة أقسام رئيسة على النحو التالي:
1- صناعة المحتوى المعلوماتي :
تقوم المؤسسات في القطاعين العام والخاص بإنتاج المحتوى المعلوماتي INFORMATION CONTENT أو الملكية الفكرية من خلال الكتّاب والمبدعين في المجالات الأخرى ، حيث يقومون ببيع إنتاجهم للناشرين والإذاعات والموزعين وشركات الإنتاج التي تقوم بدورها بتجهيز المعلومات بطرق مختلفة ، ومن ثم بيعها وتوزيعها على المستفيدين .
2- صناعة إيصال المعلومات :
ويختص هذا القسم بعملية بث أو تسليم أو إيصال المعلومات INFORMATION DELIVERY، وذلك من خلال إنشاء شركات الاتصالات بعيدة المدى وشبكات التلفاز الكابلي والبث بالأقمار الصناعية ومحطات الراديو والتلفاز ، وتتولى بعض المؤسسات مثل بائعي الكتب والمكتبات استخدام القنوات المشار إليها وغيرها لتوزيع المحتوى المعلوماتي .
3- صناعة معالجة المعلومات :
تقوم صناعة معالجة المعلومات INFORMATION PROCESING على منتجي الأجهزة والبرمجيات ، حيث يتولون تصميم وصناعة وتسويق الحاسبات والإلكترونيات والاتصالات بعيدة المدى ونظم التشغيل وحزم التطبيقات (عبدالهادي : 1999م ، 129) .
ووفقاً للخطة الخمسية الأولى للعلوم والتقنية التي تقوم مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية حالياً بإعدادها من خلال فريق عمل مكلف للقيام بالمهمة ، فقد تم تعريف مصطلح صناعة المعلومات بأنه يغطي جميع أوجه الاهتمام بالمعلومات من حيث الإنتاج والنشر والتجميع والتعريف والتنظيم والتجهيز والاسترجاع والاستثمار (مدينة الملك عبدالعزيز : 1424هـ ، 22) .
ويمكن استخدام مصطلح صناعة المعلومات بطريقة تبادلية مع مصطلح تجهيز المعلومات INFORMATION REPACKAGING بحيث يعني كل واحد منهما المعنى نفسه الذي يعنيه الآخر، ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار الخدمات التالية ضمن طرق تجهيز المعلومات :
- الإعارة : بمعنى جعل مصادر المعلومات في متناول من يحتاجها من أفراد المجتمع بغرض استخدامها داخل المكتبة أو خارجها .
- الاتصال المباشر: بمعنى استرجاع المعلومات بشكل مباشر عن طريق الطرفيات، حيث يتم الاتصال بنظم المعلومات في مناطق جغرافية متباعدة .
- الإحاطة الجارية : بمعنى اختيار المواد ذات الصلة باحتياجات المستفيدين وإحاطتهم بها بغرض مساعدتهم في مواكبة المستجدات في مجال اهتمامهم ، وذلك من خلال النشرات ، وقوائم الإضافات الجديدة ، والاتصالات الهاتفية ، والتعريف بالبحوث الجارية ، وغير ذلك من الوسائل الأخرى .
- البث الانتقائي للمعلومات : وهو نمط متميز من الإحاطة الجارية ، حيث يتم تعريف كل مستفيد على حدة بالمواد المتعلقة بموضوع بحثه . ويقدم هذا النمط من الخدمات في الغالب لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد المتخصصة والكليات والشركات والمؤسسات الخاصة التي توجد بها مكتبة أو مركز معلومات . ويتطلب إنجاز هذه الخدمة إجراء مسح شامل للباحثين ، وتحديد اهتمامات كل باحث بشكل منفرد، وتصميم استمارة تتضمن معلومات بهذا الخصوص، ومن ثم مقارنة هذه الاستمارة بكل جديد يصل إلى المكتبة (السريع : 1423هـ ، 48).
- الإجابة عن الأسئلة والاستفسارات : بمعنى التوجيه والإرشاد ومساعدة الباحثين في الوصول إلى المعلومات من خلال الاستعانة بمجموعة من المراجع الإلكترونية .
- التصوير والاستنساخ : حيث أسهمت التطورات التقنية الحديثة في انتشار هذه الخدمة التي قد تكون على الورق أو على شكل مصغرات فيلمية ( الوردي والمالكي : 2002م ، 111 – 118) .
ويمكن أيضاً استخدام مصطلح صناعة المعلومات بطريقة تبادلية مع مصطلح صناعة المعرفة ، وفي هذا الإطار فقد ذهب الباحث ماكلوب روبين MACHLUP RUBIN إلى أن الصناعة المعلوماتية تشمل المهن والوظائف التي تهدف إلى إنتاج أو تشكيل أو تجهيز أو معالجة المعلومات ، ومن ثم توزيعها أو بثها ، وهي تضم خمسة أقسام رئيسة تتمثل في :
- التعليم .
- البحوث والتنمية .
- وسائل الإعلام والاتصال .
- آلات المعلومات .
- خدمات المعلومات (RUBIN : 1990, 1 – 6 ) .
ويشاطر محمد عبدالهادي الرأي السابق نفسه، ويستخدم مصطلح صناعة المعرفة عوضاً عن مصطلح صناعة المعلومات ، إذ لا يوجد في تصوره فرق بينهما ، ويرى عبدالهادي أنه أصبح يطلق على المجتمع المعاصر مجتمع المعلومات ، حيث يتم الاعتماد عليها بصفتها موردًا استثماريًّا، وسلعة إستراتيجية ، وخدمة ، ومصدرًا للدخل الوطني ، ومجالاً رحبًا للقوى العاملة . وحينما تأصلت في المجتمع هذه النظرة تجاه المعلومات بوصفها موردًا أساسيًا يمكن أن يباع ويشترى برزت ظاهرة صناعة المعلومات أو صناعة المعرفة (عبدالهادي : 1418هـ، 199) .
ويقترب كل من الوردي والمالكي من تصور عبدالهادي ، حيث يعتقدان أنه يمكن النظر إلى المعلومات على أنها سلعة مثل بقية السلع ، بمعنى أنه يمكن إنتاجها وتجهيزها وتعبئتها في أوعية مختلفة وتسويقها واستخدامها ، ولكن ما يميزها عن السلع الأخرى أنها لا تفنى ولا تنضب مع الاستخدام ، بل تنمو بمرور الوقت وتتجدد . كما أن المعلومات ليست سلعة استهلاكية تنتهي مع الاستعمال ، وإنما هي سلعة منتجة يجب رعايتها، وتوفير الأجواء لتنميتها بطرحها للاستعمال (الوردي والمالكي : 2002م ، 29 ، 177) .
وقد ندرج صناعة الثقافة تحت مظلة صناعة المعلومات ، وذلك من منطلق إعادة إنتاج أو نقل منتجات ثقافية بالطرق الصناعية .. الأمر الذي يسهم في تعميم الثقافة على المستوى الجماهيري . " وقد كانت مصادر انتفاع الناس بأعمال الإبداع الثقافي في بدايات القرن العشرين مقصورة على مجال بيع الكتب والمكتبات والمسارح وقاعات الموسيقى ، أما اليوم فإن منتجات الثقافة من كتب وأفلام وتسجيلات وبرامج تلفزيونية تصل إلى جمهور يعد بالملايين . ويمثل ذلك ديمقراطية صناعة المعلومات وانتشارها بين أوساط الجماهير بعد أن كانت منتجات الثقافة وقفاً على المثقفين والأغنياء وفئات محدودة في المجتمع " (الوردي والمالكي : 2002م ، 184) .
ومن خلال استقراء السطور السابقة التي حاولت تحديد مفهوم صناعة المعلومات نستطيع أن نخرج بالانطباعات التالية :
1- كثرة المعاني المرتبطة بكلمة المعلومات ، وذلك نتيجة لاستخدامها في مختلف مجالات الحياة المعاصرة .
2- البعد الاقتصادي للمعلومات بوصفها موردًا أو سلعة قابلة للتداول؛ إذ إن صناعة المعلومات لا تمثل في الوقت الراهن سلعة ثمينة فحسب، بل إنها تمثل لب الاقتصاد العالمي والمصدر الرئيس للدخل القومي ، حيث ثبت أن قطاع المعلومات ينتج حوالي نصف الدخل القومي في الولايات المتحدة الأمريكية وحوالي 40% من الدخل القومي للدول الأوربية المتقدمة (عبدالهادي : 1999م ، 130) .
3- إذا كانت المعلومات موردًا ثرًّا ومعينًا لا ينضب ، فينبغي العمل على استثمارها وتنميتها وتوظيفها لخدمة التقدم في مختلف المجالات . ذلك أن المعلومات لا قيمة لها في حد ذاتها ، بل إن قيمتها الحقيقية تكمن في استخدامها من قبل الفئات المستهدفة (الجمهور الفعلي أو المحتمل ACTUAL OR EXPECTED USERS ) . وبعبارة أخرى فلكي تكون المعلومات مفيدة فلابد أن يتحقق الاستثمار الأمثل لها من خلال معالجتها وتوظيفها في مشروعات التنمية وفي صنع القرارات . وهذا الاستثمار أو الاستخدام يتطلب تجهيز المعلومات في شكل منتجات أو خدمات من خلال الاستعانة بالتقنية ، وهذا هو لب الموضوع الذي تناوله الباحث في هذه الدراسة .
4- بخصوص المترادفات في المصطلحات ، واستخدام أكثر من مصطلح للتعبير عن الفكرة ذاتها ، فهذه في نظر الباحث قضية هامشية إذا نظرنا إليها في سياق التحولات التي طرأت على المجتمعات المتقدمة ، حيث تحولت من الزراعة إلى الصناعة ثم إلى المعلومات والخدمات .. الأمر الذي قلل من أهمية الجهد العضلي أو البدني ومن قيمة الأعمال الذهنية الروتينية طالما أن استخدام الحواسيب كفيل بمعالجة الكثير من المشكلات ، وطالما أن الأتمتة AUTOMATION منتشرة في كل القطاعات وبخاصة مع التلاحم بين العلم والتقنية . ولذلك فسواء أطلقنا على المجتمع المعاصر المجتمع الصناعي أو المجتمع المعرفي ، وسواء قلنا صناعة المعلومات أو صناعة المعرفة فالنتيجة واحدة ، إذ أن ما يميز مجتمع ما بعد الصناعة هو الرخاء وانتشار المعرفة وتوافر المعلومات ، لذا فمن الطبيعي أن يسمى بمجتمع المعرفة أو مجتمع المعلومات .
5- مع أن التعريفات السابقة لمفهوم صناعة المعلومات تمثل اجتهادات لبعض الباحثين ، فهناك من يرى صعوبة وضع تعريف دقيق لهذا المفهوم ، وذلك بسبب صعوبة تعريف مصطلح مجتمع المعلومات INFORMATION SOCIETY، فهو لا يزال غير واضح المعالم بشكل تام . وقد استطاع محمد عبدالهادي حصر مجموعة من التعريفات التي تقرب مفهوم هذا المجتمع وطبيعته إلى الذهن ، وذلك على النحو التالي :
أ- التحول من مجتمع صناعي إلى مجتمع معرفي ، حيث المعلومات هي القوة الدافعة للأفراد والمسيطرة على المجتمع .
ب- المجتمع الذي ينشغل معظم أفراده بإنتاج المعلومات أو جمعها أو اختزانها أو معالجتها أو توزيعها .
ج- المجتمع الذي يعتمد في تطوره بصفة رئيسة على المعلومات والحاسبات وشبكات الاتصال التي تعمل على تجهيز المعلومات ومعالجتها وتسويقها .
د- المجتمع الذي تستخدم فيه المعلومات بكثافة كوجه للحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية .
هـ- المجتمع الذي يعتمد اعتماداً أساسياً على المعلومات الوفيرة كمورد استثماري وسلعة إستراتيجية وخدمة ومصدر للدخل القومي ومجال للقوى العاملة (عبدالهادي : 2000م ، 125) .
ثالثاً : نشأة صناعة المعلومات وتطورها :
لقد كان للتطورات التي شهدها العالم في مجال الاقتصاد والتقنية دور كبير في بزوغ صناعة المعلومات ، فمنذ الستينيات الميلادية من القرن العشرين ظهر قطاع المعلومات كقطاع مهم من قطاعات الاقتصاد ، حيث أصبح إنتاج المعلومات وتجهيزها وتوزيعها نشاطاً اقتصادياً رئيساً في أغلب دول العالم . وأصبح من الملامح البارزة في الوقت الراهن التحول من اقتصاد الصناعات إلى اقتصاد المعلومات ، ومن إنتاج البضائع والسلع إلى إنتاج المعلومات (عبدالهادي : 1999م ، 127 – 128) .
ويلاحظ في دول العالم المتقدم وبخاصة الدول المعلوماتية ( التي تحولت من مجتمعات صناعية إلى مجتمعات ما بعد الصناعة حيث يعتمد اقتصادها على المعلومات بشكل جوهري ) أنه تتوافر فيها مؤسسات عديدة تعنى بإنتاج المعلومات وتعبئتها ووضعها في قالب جاهز للاستخدام . وأصبحت المكتبات ومراكز التوثيق والأرشيف والمعلومات في تلك الدول تتنافس على القيام بمسؤولية جمع المعلومات بمختلف الأوعية وتنظيمها وتيسير الوصول إليها . وتحتكر الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص الصناعات الثقافية والمعلوماتية .
ونتيجة لتلك التطورات أصبح من الطبيعي أن يطلق على العصر الحاضر عصر المعلومات، أو عصر ما بعد الثورة الصناعية ، حيث شهد العالم تحولاً جذرياً من اقتصاد الصناعات إلى اقتصاد المعلومات ، وبعبارة أخرى فقد تحول المجتمع إلى المعلوماتية INFORMATIZATION ، أي الانتقال من الزراعة إلى الصناعة إلى الخدمات ثم المعلومات (بدر وآخرون : 2001م ، 38) . ولذا فإن قطاع المعلومات يعد حالياً هو القطاع الرابع في النشاط الاقتصادي ( إلى جوار القطاعات الاقتصادية الأخرى المتمثلة في الزراعة والصناعة والخدمات ) . ويمتاز هذا العصر بزيادة عدد القوى العاملة في قطاع المعلومات ، حيث وصل عددها إلى أكثر من 50% من مجموع القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال التسعينيات الميلادية من القرن العشرين . كما يمتاز العصر المعلوماتي بالنظرة إلى المعلومات على أنها سلعة COMMODITY ، وتوظيف الاتصالات بغرض تكوين شبكات تلبي احتياجات الأفراد المعلوماتية بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية (الغندور ومتولي: 2001م ، 265) .
لقد صحب النقلة إلى المجتمع المعلوماتي نقلة حضارية متميزة تركت بصماتها واضحة على مسيرة التقدم الإنساني ، وارتسمت بخصائص عديدة من أبرزها التحول من إنتاج السلع إلى إنتاج الخدمات ، حيث يشغل الفرد معظم وقته في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وتحليل وتصميم النظم وبرمجة المعلومات وتجهيزها (الهوش : 1419هـ،50).
ويمكن القول إنه إذا كانت صناعة المعلومات كفكرة لها جذور قديمة ، فإنها كممارسة ظاهرة حديثة النشأة ( كما وضحت ذلك السطور السابقة) نتيجة لما شهده العصر الحديث من التحول إلى المجتمع ما بعد الصناعي أو كما يطلق عليه المجتمع المعلوماتي . ولا غرو أن تصبح صناعة المعلومات من أكبر الصناعات في العالم المتقدم ، فقد ارتبط بهذه الصناعة مجالات عديدة تتمثل في إنتاج المعلومات وتجهيزها وتوزيعها واستخدامها . وفي هذا السياق، يذهب زكي الوردي ومجبل المالكي إلى أن " إدراك المجتمعات المعاصرة لأهمية المعلومات وزيادة الاعتماد عليها كمورد حيوي أدى إلى ظهور صناعة المعلومات في العديد من دول العالم التي تنهض من خلال مؤسساتها المتنوعة بإنتاج المعلومات ، وتعبئتها ، ثم تسويقها إلى من يطلبها مثل السلع الأخرى . وتزدهر هذه الصناعة بشكل خاص في الدول التي تقترب من التحول من مجتمعات صناعية إلى مجتمعات ما بعد الصناعية التي تعتمد إنتاجية الاقتصاد فيها على مورد المعلومات بصورة أساسية . وأصبح الاستثمار في صناعة المعلومات من الاستثمارات الكبيرة والمربحة لما تحققه من إسهامات في الدخل القومي . فعلى سبيل المثال ، فإن صناعة المعلومات في مجموعة دول السوق الأوروبية المشتركة تساهم في الدخل القومي بما مقداره 544 مليار دولار " (الوردي والمالكي : 2002م ، 17) .
ولو نظرنا إلى صناعة المعلومات من منظور عالمي ؛ لأمكننا ملاحظة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد رائدة هذه الصناعة في العالم ، فمنذ عام 1968م نشأت فيها جمعية صناعة المعلومات INFORMATION INDUSTRY ASSOCIATION بغرض تعزيز قطاع المعلومات على مستوى الشركات التجارية التي يزيد عددها على120 شركة معنية بإنتاج وتسويق خدمات المعلومات في مختلف المجالات ، بما في ذلك قواعد المعلومات، والببليوجرافيات ، والأدلة ، والخدمات المكتبية ، والنظم ، والأجهزة ، وخدمات الإحاطة الجارية . وكان الهدف من إنشاء هذه الجمعية هو تهيئة بيئة صحية لتجارة المعلومات ، ولهذه الجمعية اهتمام بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تؤثر في سوق المعلومات . وتقدم جمعية صناعة المعلومات للأعضاء المشاركين فيها العديد من الخدمات من بينها النشر ، وبرامج التدريب ، والبحث العلمي ، وخدمات الإحالة، وغيرها من الخدمات الأخرى (Encyclopedia of Information Systems and Services : 1981 , 215)
وتتحدث باربرا سلانكر BARBARA SLANKER عن مدى إسهام المكتبات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية في دعم صناعة المعلومات ، وذلك في مقال لها بعنوان : PUBLIC LIBRARIES AND THE INFORMATION INDUSTRY ، حيث تعقد مقارنة بين تلك المكتبات وسوق المعلومات ، وترى أن الفرق الوحيد بينهما هو المال أو تحقيق الربح ، إذ إن المكتبات العامة مؤسسات غير ربحية، في حين أن صناعة المعلومات تقوم على مبدأ بيع المعلومة بوصفها سلعة . وفيما عدا ذلك فهناك تشابه كبير في الأهداف والمنتجات . وبالتالي فلا يوجد مبرر لعدم التعاون والتنسيق بين تلك المؤسسات بوصفها معنية بخدمات المعلومات، وبوصفها داعمة لنظام المعلومات الوطني . وتقدم الباحثة نموذجين لمكتبتين عامتين لهما دور ملموس في صناعة المعلومات هما : مكتبة شيكاغو العامة CHICAGO PUBLIC LIBRARY ، ومكتبة مينابلوس العامة MINNEAPOLIS PUBLIC LIBRARY ، فقد تفوقتا في مجال صناعة المنتجات والخدمات التي تهم رجال الأعمال على وجه الخصوص ، ومن ذلك على سبيل المثال أن المكتبة الأولى قد نجحت في تصميم نظام يطلق عليه EDITEC وهو بمثابة مكتبة إلكترونية لها اتصال بـ ( 32 ) قاعدة معلومات محسبة موزعة في مختلف المكتبات العامة في ولاية شيكاغو ، ويستطيع رجال المال والأعمال الحصول على المعلومات من خلالها ( SLANKER : 1976 ) .
كما أن اليابان بدأت تثبت وجودها في الحقل المعلوماتي بقوة ، بل إنها أصبحت منافساً قوياً للولايات المتحدة في بعض الجوانب . وتعمل هذه الدولة حالياً على تنفيذ منهج للإصلاح والتطوير يقوم على فتح السوق ، ووضع سياسات لتطوير تدفق المعلومات داخلياً . ومما ساعدها على المنافسة توسيع استخدام وتعليم تقنية المعلومات ، وتحسين إنتاجية المعلومات والخدمات، وتطوير القوى العاملة ، وتشجيع البرامج التدريبية للمتخصصين في نظم المعلومات، وتنمية الاعتماد على شبكات المعلومات في الحياة اليومية خاصة شبكة الإنترنت (مدينة الملك عبدالعزيز: د . ت ، 15 – 21) .
ولا غرو أن تقوم الدول المتقدمة وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية واليابان بإنفاق الملايين على صناعة المعلومات بما في ذلك تخزينها واسترجاعها وبثها وتجهيزها وتشكيلها في مختلف الوسائط ، وإتاحتها للمهتمين من الباحثين والدارسين ومتخذي القرارات . وأصبحت صناعة المعلومات تسهم بما يزيد على 8% من الناتج العالمي ، ومن المتوقع أن ينمو هذا الإسهام بشكل متزايد في السنوات القادمة (الخليفي : 1420هـ ، 11).
وقد قامت الصين منذ الثمانينيات الميلادية من القرن العشرين بتطوير صناعات المعلومات بوصفها دعامة رئيسة لتعزيز الاقتصاد الوطني ، ورأت أن تدعيم البنية الأساسية للمعلومات يعد جزءاً أساسياً في التخطيط الإستراتيجي الوطني . وفي عام 1994م تولى الباحث ليو زيادونج LUI ZHAODONG مدير معهد المعلومات العلمية والفنية في الصين إعداد دراسة عن السياسة والإستراتيجية المعلوماتية الصينية حتى عام 2000م . ومن بين المعطيات التي خرجت بها هذه الدراسة أن السوق المعلوماتي شهد منذ منتصف الثمانينيات الميلادية تطورات هائلة في مجال خدمات المعلومات ، وبخاصة خدمات البحث الدولي على الخط المباشر ، والبث الانتقائي للمعلومات ، وخدمات البحث الراجع المعتمدة على قواعد البيانات الأجنبية المستوردة ، وأخيراً الخدمات التي تقدمها قواعد البيانات المصممة محلياً (في : الغندور ومتولي : 2001م ، 156) .
وتم في الدراسة المشار إليها تحديد البدائل والحلول التي يمكن أن تسهم في التذليل من حدة المشكلات التي تواجه صناعة المعلومات في الصين، ومن أبرز تلك الحلول :
- زيادة الاستثمار الرأسمالي في صناعة المعلومات ، وبخاصة ما يتعلق منها بالخدمات.
- تفعيل عمليات التخطيط والتحكم في البنية الأساسية لصناعة خدمات المعلومات ، فإذا أهملت الحكومة هذه الخدمات في أحد قطاعاتها فسيكون من المستحيل وضع نظام أو شبكة معلومات على المستوى الوطني .
- تحديد التشريعات اللازمة للمعلومات والمعايير التي يحتاجها تطوير صناعة المعلومات .
- تحسين التعاون والتبادل الدولي ، بحيث تكون السوق الدولية أحد أهداف صناعة المعلومات الصينية .
- تدريب كوادر ذات مستوى عال لخدمة تطور صناعة المعلومات (في الغندور ومتولي : 2001م ، 151 – 152) .
وبالنسبة لماليزيا فقد نجحت في دفع عجلتها الاقتصادية من مرحلة الزراعة إلى مرحلة التصنيع، وهي تدخل حالياً مرحلة اقتصاد المعرفة . ويعد مشروع السوبر كوريدور من أهم الإنجازات العالمية التي نفذتها الحكومة الماليزية في حقل المعلوماتية والاتصالات ، وذلك كخطوة نحو تحقيق إستراتيجية وطنية طويلة المدى تهدف إلى الارتقاء بماليزيا إلى مستوى الدول المتقدمة بحلول عام 2020م ، وجذب مراكز صناعات المعلوماتية لدى الشركات العالمية الكبرى ، والقيام بأعمال البحث والتطوير وتصدير المنتجات . وبذلك تمكنت هذه الدولة من تكوين بنية تحتية للخدمات المعلوماتية وشبكة اتصالات بأفضل المستويات العالمية . وقد انعكس هذا التطور المعلوماتي على المكتبات ومراكز المعلومات ، حيث وجدت بيئة مشجعة على صناعة المعلومات ، وتأهيل الكوادر البشرية ، وتشجيع استخدام تقنية المعلومات ، وتطويع التقنية لصالح الاحتياجات المحلية (مدينة الملك عبدالعزيز : د .ت، 6 – 14) .
وعلى مستوى الدول الأوربية ، فقد ظهرت هناك بعض المشروعات العالمية لدعم صناعة المعلومات ، ومن ذلك مشروع خدمات المكتبة العالمية ( UNIVERSE ) بغرض إتاحة فهرس اتحادي منطقي LOGICAL UNION CATALOGUE يقدم من نقطة اتصال مركزية فهارس تتضمن كل العناوين المتاحة من داخل دول الاتحاد الأوربي . ويقدم المشروع خدمات مكتبية متطورة تخدم العاملين في المكتبات إضافة إلى الباحثين ، وذلك من خلال نظم البحث والاسترجاع ، وخدمة الوثائق والوسائط المتعددة، ونظم الاستعارة المكتبية . ويتم إنتاج الفهرس المنطقي بالتعاون بين عدد كبير من المكتبات المتخصصة بهدف تعزيز المشاركة بين المكتبات ، واقتسام الموارد ، وتبادل الخبرات (مدينة الملك عبدالعزيز : د.ت، 50 – 51) .
وثمة مشروع أوربي تعاوني آخر يطلق عليه (شبكة توباك الأوربية)، ويتم الإشراف عليه من قبل مركز المكتبة الدانمركية ، وهو يعمل على توفير برامج مشتركة للاستخدام في المكتبات مثل نظم الإعارة ، وتبادل الوثائق الإلكترونية ، وأساليب الدفع الإلكترونية خلال الشبكات . وسيتم العمل بهذا المشروع في المتاحف وعدد من المواقع في جمهورية المجر ، ومن المتوقع أن يستفيد منه العاملون في المكتبات والآثار والباحثون . ولأن المشروع يقدم خدماته على مستوى العالم فالمؤمل أن يسهم في تطوير نظم المكتبات الأوربية (مدينة الملك عبدالعزيز : د . ت، 52) .
ولا يقل أهمية عن المشروع السابق مشروع آخر يطلق عليه ( نحو خلق مجتمع معلوماتي إلكتروني طبي أوربي ) تشرف عليه المملكة المتحدة، ويهتم بتبادل المعلومات الطبية بين الدول الأوربية ، وتحسين النشر الإلكتروني ، ويقدم خدمة جديدة لتبادل المعلومات العلمية للقطاعات الطبية والصحية المختلفة بمستويات أعلى مما هو متوافر حالياً . ويتم ذلك من خلال :
1- تحسين خدمة تبادل المعلومات بين المراكز البحثية وتوصيلها للممارسين في القطاعات الخدمية .
2- تبادل المعلومات الطبية بين العاملين في القطاعات المتماثلة داخل أوربا .
3- نشر المعلومات المطبوعة من المصادر الأوربية المختلفة .
وقد وجد هذا المشروع أن هناك بعض المعوقات التي تؤثر على انسياب وتدفق المعلومات بين ناشري المعلومات العلمية الطبية والجهات المستفيدة ، لذا فإن المشروع يعمل على سد تلك الثغرات عن طريق هندسة نظام معلوماتي يعمل على تحسين الخدمات من خلال التسريع بالتدفق المعلوماتي من مراكز صناعة المعلومات بالمراكز الطبية البحثية أفقياً VERTICAL PASSAGE OF INFORMATION ، وتحسين مستويات انسياب المعلومات الطبية بين العاملين في القطاعات الطبية المتماثلة LATERAL EXCHANGE OF INFORMATION ، والعمل على توافر خدمات معلوماتية كاملة INTEGRATION OF PUBLISHED MATERIALS (مدينة الملك عبدالعزيز : د . ت ، 58 – 59) .
وبدأت بولندا POLAND تشهد في الآونة الأخيرة تطورات مهمة في صناعة المعلومات ، وبخاصة تصميم قواعد المعلومات المحلية ، والاستخدام المكثف للمصادر الأجنبية المتوافرة عبر الاتصال المباشر والأقراص المضغوطة . ولا تزال المصادر المحلية تواجهها مشكلة التبعثر، وعدم ربطها في شبكة وطنية ، وعلى أي حال فإن هذه الدولة مقبلة خلال السنوات القريبة على تغيرات جذرية في مجال الصناعة المعلوماتية ، وذلك نتيجة للوصول إلى وسائل الاتصالات الإلكترونية المتطورة . ويتركز الاهتمام هناك على المعلومات التجارية والعلمية ، بينما تكمن المشكلة الأساسية في نقص المعرفة حول الإمكانات الحالية المتاحة للاتصالات الإلكترونية في الدولة ، والخدمات المتاحة لصناعة المعلومات المحلية والخارجية ( Gogolek : 1995 ) .
ولو ألقينا نظرة على أستراليا ، لوجدنا أن هناك ثمة مشروعات تدعم صناعة المعلومات تستحق الإشادة بها، ومنها مشروع إستراتيجيات مصادر المعلومات الإلكترونية THE NATIONAL LIBRARY OF AUSTRALIA'S STRATEGIC DIRECTIONS ، وقد تبنت مكتبة أستراليا الوطنية هذا المشروع المقرر تنفيذه خلال الفترة 2003 – 2005م بغرض خلق مجتمع معلوماتي لتغذية المكتبات المحلية والمراكز الثقافية، وتهتم هذه المكتبة بمصادر المعلومات الإلكترونية المتمثلة في :
1- النسخ الإلكترونية من المطبوعات والوثائق والخرائط والمواد الصوتية والصور .
2- مواقع الإنترنت والصحف الإلكترونية .
3- البيانات والهيئات الإلكترونية الأولية من المصادر المشار إليها ، وكافة الأشكال الإلكترونية الأخرى .
ويتوقع خلال المدة المحددة لتنفيذ المشروع أن ينجح في جعل محركات البحث أكثر دقة وكفاءة في الوصول إلى متطلبات الباحثين ، وإتاحة عدد من البرمجيات ، والمعالجة التقنية للمسائل المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ، ووصول الباحثين إلى مصادر المعلومات مباشرة دون الحاجة إلى الاستعانة بوسيط ، وإتاحة الخدمات المرجعية على الإنترنت . وتعمل مكتبة أستراليا الوطنية بالتعاون مع المكتبات الأخرى والناشرين على جمع وإتاحة المعلومات ذات القيمة العلمية عن طريق نظم أرشيفية إلكترونية متاحة لعموم الباحثين ، كما تعمل المكتبة ذاتها على بناء قاعدة معلوماتية تضم مصادر المعلومات الأسترالية (مدينة الملك عبدالعزيز : د . ت ، 53 – 55) .
وفيما يتعلق بصناعة المعلومات في الهند، فقد بدأت تنمو بشكل متزايد خاصة منذ عقد التسعينيات الميلادية من القرن العشرين ، وقد ساعدها على ذلك انتشار الجامعات والمعاهد التقنية ، وتطور بنية الاتصالات ، كما أن النظام الضريبي الهندي يدعم صناعة البرمجيات، فهناك إعفاء ضريبي لمدة خمس سنوات للشركات المزودة للإنترنت ، وإعفاء عشر سنوات للمجمعات التقنية ، وإعفاء لمدة عشر سنوات للشركات العاملة في البحث العلمي (مدينة الملك عبدالعزيز : د . ت ، 22 – 24) .
وتجدر الإشارة إلى ما لاحظه أحد الباحثين من أنه على الرغم من أن صناعة المعلومات في الهند شهدت خلال العقد الماضي بعض التطورات المهمة ، ووجدت الكثير من المصانع التجارية التي تبيع منتجات المعلومات وخدماتها، وأصبحت خدمات المعلومات هناك صناعة رابحة، فإنها لم تصل بعد إلى ما وصلت إليه في الدول المتقدمة، ولعل مرد ذلك إلى أن المكتبات الهندية لا تواجه التحديات بنفس الدرجة التي تواجهها المكتبات الغربية ، كما أن هناك مجموعة من المعوقات التي تواجه تسويق منتجات المعلومات وخدماتها في هذه الدولة ( Mahesh : 2002 , 35 – 38 ).
وهكذا بدأت الدول المتقدمة والنامية على حد سواء بالتحول إلى مجتمعات معلوماتية ، حيث استطاعت تطوير صناعة المعلومات ، وتشجيع الاستثمار في هذه الصناعة ، وتصميم نظم معلوماتية تدفع بمشروعات التنمية خطوة نحو الأمام . ونما دور صناعة المعلومات في تعزيز الاقتصاد العالمي ، وازدادت عملية الإنفاق على صناعة المعلومات بشكل مذهل حيث قدرت الاستثمــارات العالميــة في مــجال هذه الصنــاعــــة بـ 500 بليون دولار ، بزيادة سنوية تقدر بحوالي 20% (عباس : 2001م ، 10) .
صناعة المعلومات في العالم العربي :
إذا كانت الدول المتقدمة وبعض الدول النامية تجني ثمرة المجتمع المعلوماتي كما أشارت إلى ذلك السطور السابقة ، فإن الدول العربية لا تزال تسعى في حدود إمكاناتها المتواضعة للحاق بالركب، مع وجود تفاوت ملحوظ بينها في مجال صناعة المعلومات وإنتاجها واستثمارها . " ويكاد اهتمام معظم الأقطار العربية بصناعة المعلومات يتركز حول صناعة البرامج والاتصال بشبكات المعلومات ، والتوجه نحو صناعة الإلكترونيات الدقيقة وأجهزة الحواسيب من خلال الاستيراد الخارجي وعمليات التجميع لمكونات هذه الأجهزة" (الوردي والمالكي : 2002م ، 285) .
وقد سارعت الكويت إلى الدخول في مجتمع المعلومات ، ويتمثل ذلك في وضع إستراتيجية وطنية لتقنية المعلومات بالشكل الذي يضمن حرية تداول المعلومات في إطار تشريعات محددة، وتأهيل الكوادر البشرية لمواجهة التغيرات الجديدة، ونشر الوعي المعلوماتي ، والتعاون مع القطاع الخاص ، وتطبيق مفهوم مجتمع المعلومات الذي يتيح للمجتمع المشاركة الحقيقية في حضارة القرن الحادي والعشرين التي تعتمد على الوسائل الرقمية الإلكترونية ، وإقرار سياسة وطنية للمعلومات . وقد بادر معهد الكويت للأبحاث العلمية إلى ترجمة هذه السياسة إلى واقع ملموس، حيث طالب بتوفير إطار تشريعي لتطوير وتنمية نظم المعلومات ، ودعا جميع الجهات المعنية إلى المشاركة في وضع هذه السياسة . وفي عام 1992م أعد المعهد المشار إليه تقريراً يتضمن الخطوط العريضة لسياسة المعلومات ، كما قام بعقد العديد من المؤتمرات وورش العمل حول المعلومات (مدينة الملك عبدالعزيز : د. ت ، 25 – 30).
كما اتجهت دولة الكويت نحو تبني عدد من المشروعات التقنية التي تسهم في تطوير المجتمع في مختلف المجالات ، ومن أهمها مشروع الحكومة الإلكترونية ، ومشروع التنمية وإصلاح المسار الاقتصادي ، ومشروع إنشاء المدينة العلمية ، ومشروع شبكة الكويت للمعلومات . علاوة على أن الكويت استضافت المركز الإقليمي لتطوير البرمجيات التعليمية ، وتم تخصيص موازنة سنوية له ، وتجهيز مقر للمركز في أحد مباني معهد الكويت للأبحاث العلمية ، وهذا المركز يختص بإنتاج وتطوير نظم وبرامج المعلومات بغية الوصول إلى مراحل متقدمة في تنمية دور المنطقة العربية في صناعة تلك البرامج ، وتطوير سوق الكمبيوتر ، وتعجيل نقل التقنية ، وتطوير القدرات التقنية في المنطقـة (مدينة الملك عبدالعزيز : د .ت، 31 – 32) .
وهناك العديد من الملامح البارزة حول تقنيات المعلومات والاتصالات بدولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث أطلقت العديد من المبادرات الرائدة في القطاعين الحكومي والخاص، ولذا لم تحز فقط قصب السبق في المنطقة العربية في التحول نحو المجتمع المعلوماتي بل إنها تضع نفسها كواجهة أو بوابة إقليمية مع الاقتصاد العالمي . ومن نماذج تلك المبادرات مركز أبو ظبي للابتكار والتجديد ، ومدينة دبي للإنترنت ، وغيرها من المشروعات الأخرى التي تهدف إلى إنشاء البنية الأساسية التحتية ، ونمو الاقتصاد المبني على المعرفة . ويعد مشروع مدينة دبي للإنترنت جزءاً مكملاً لمنظومة مجتمع الاقتصاد المعلوماتي في هذه الدولة ، وذلك بهدف إيجاد مركز مناسب لمختلف النشاطات والشركات المرتبطة بصناعة الاقتصاد الجديد القائم على تقنية المعلومات والاتصالات ووسائط الإعلام المتعددة . ويساند هذا المشروع مشروعات أخرى مكملة له مثل الحكومة الإلكترونية ، وسوق دبي للإلكترونيات ، ومدينة دبي للإعلام ، وواحة دبي للمشاريع ، ومدينة محمد بن راشد للتقنية (مدينة الملك عبدالعزيز : د . ت ، 33 – 49) .
ومن بين العوامل التي تساعد على تطوير قطاع المعلومات في دولة الإمارات صغر مساحة البلد وكونه يستثمر في أحدث التقنيات للبنية التحتية ، والتوسع في تعليم تقنيات المعلومات ، ووجود بنية تحتية متطورة في مجال الاتصال عن بعد ، ونمو سوق برمجيات الحاسب ، والدعم الحكومي لصناعة المعلومات ، وفتح المجال للمستثمرين الأجانب في مجال برمجيات الحاسبات وأجهزتها ، واعتبار التطوير القيادي في المجال المعلوماتي أحد أهم الأهداف الإستراتيجية للدولة ، حيث يشرف على التطوير المعلوماتي القيادة العليا للدولة بشكل مباشر
وقد سبقت الإشارة إلى أن صناعة المعلومات العربية لا تزال في بدايتها ، وتتركز الصناعة الحالية في نوعين هما : صناعة البرامج ، والاتصال بشبكات المعلومات ، أما فيما يتعلق بصناعة الإلكترونيات الدقيقة وأجهزة الحاسبات فهي قائمة على الاستيراد ، أو على عملية تجميع فردية بعد استيراد المكونات من الأسواق العالمية ، ولذا لا يمكن القول إن العالم العربي يحظى بصناعة حقيقية للمعلومات بمفهومها العام ، أما بالمفهوم الذي تبنته الدراسة الحالية فالملاحظ أن للمكتبات ومراكز المعلومات العربية بوادر طيبة للإسهام في الصناعة المعلوماتية ، حيث بدأت بتوظيف التقنية في إنتاج وتقديم بعض الخدمات المرجعية والببليوجرافية ، وخدمات الإحاطة الجارية ، وتصميم قواعد المعلومات المحلية .
وعلى مستوى المملكة العربية السعودية ، فهي تعد من أوائل الدول التي أدركت أهمية المعلومات في دعم المشروعات في مختلف القطاعات ، وسارعت بالتالي إلى إنشاء العديد من مرافق المعلومات التي قامت بدورها في التعامل مع المعلومات من حيث جمعها وتنظيمها وإتاحتها للأفراد والمؤسسات بغرض الإسهام في تنفيذ برامج التنمية الطموحة (الخليفي : 1420هـ ، 12). ولذا وجدت المكتبات بمختلف أنواعها ، ومراكز المعلومات ، ومراكز الإحصاء والتوثيق والأرشيف والبحث العلمي والترجمة . وبدأ الاهتمام بصناعة المعلومات يظهر جلياً على السطح عندما بدأت مؤسسات المعلومات تهتم بتقديم الخدمات التي تستند على الحاسب في إعدادها وتجهيزها COMPUTER ASSISTED SERVICES ، ومن ثم بدأ القطاع الخاص يسهم في دعم هذا النوع من الصناعات الثقافية ، مثل شركة النظم العربية المتطورة ، التي عملت على تطوير خدمات المكتبات والمعلومات السعودية .
وتعود بداية الأتمتة في مكتبات المملكة إلى نهاية السبعينيات الميلادية من القرن العشرين ، حيث كانت البداية مع خدمات الاسترجاع على الخط المباشر ، واستطاعت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في عام 1984م إنتاج وتوزيع مجموعة متنوعة من قواعد المعلومات ذات الصلة بالمملكة (السريحي وشاهين : 1417هـ ، 204) ، مما أضاف بعداً جديداً إلى صناعة المعلومات الوطنية.
وقد كلفت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية فريق عمل من الباحثين والمتخصصين لدراسة الوضع الراهن لصناعة المعلومات العلمية والتقنية في المملكة ، وقام هذا الفريق بوضع خطوات إجرائية تتمثل في دراسة السمات الأساسية المتمثلة في البنى التحتية ، والتشريعات، والقوى العاملة ، والتمويل ، وخدمات المعلومات ، والتعريب والترجمة ، والتعاون ، والإبداع والابتكار ، وصناعة المعلومات. وكانت النتائج على النحو التالي :
أولاً : البنى التحتية للمعلومات :
من الملاحظ وجود تشجيع لاستخدام الحاسبات وتقنيات الاتصالات في المكتبات ومرافق المعلومات السعودية ، حيث أحرزت بعض المرافق تقدماً ملحوظاً في هذا المجال يضعها في الطليعة على المستوى العربي مما جعلها تمتاز بنقاط قوة عديدة مثل :
1- استحداث مرجعية لتطبيقات تقنيات المعلومات تتمثل في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات .
2- تبني خطة وطنية لتقنية المعلومات (تتزامن مع الخطة التي تعمل المدينة حالياً على إعدادها) .
2- توفير دعم على مستوى عال للمعلوماتية (الرئاسة الفخرية لسمو ولي العهد لجمعية الحاسبات السعودية) .
4- تشجيع التوجه نحو الحكومة الإلكترونية، واهتمام الشركات العالمية الكبرى بالإسهام في مشروعات البنية التحتية للمعلومات في المملكة.
وبالنسبة للأجهزة HARDWARE فإن مستوى توافرها في مرافق المعلومات بالمملكة يعد مقبولاً بالرغم من تقادمها في أغلب المكتبات .. أما بالنسبة للنظم SOFTWARE فقد دخلت سوق النظم المكتبية في العقد الماضي عدة شركات قامت بتعريب بعض النظم الأجنبية ، ونتج عن ذلك توافر حوالي ستة نظم جاهزة معربة في السوق السعودية والعربية . كما قامت العديد من المكتبات الكبيرة بإتاحة مواقعها وخدماتها على الإنترنت ، وبعضها يتيح تصفح الشبكة كأحد الخدمات المقدمة للمستفيدين .
وبشكل عام يمكن القول : إن الوضع الراهن لتقنية المعلومات في المكتبات السعودية يعد مقبولاً إلى حد كبير ، بالبرغم مما يعترضه من صعوبات جمة تتمثل في قلة الموارد المالية المخصصة للمكتبات ، وقلة المتخصصين المؤهلين لاستثمار التقنية بالشكل الأمثل ، وعدم اكتمال البنية التحتية اللازمة لنشر تطبيقات الحكومة الإلكترونية ، وارتفاع تكلفة خدمة الوصول بالإنترنت وبطء الاتصال بها .
ثانياً : الأنظمة واللوائح والمعايير :
من المتعارف عليه أن إعداد البيئة السليمة لمجتمع المعلومات يتطلب تنظيم مجال تداول المعلومات ، ولا تزال هناك الكثير من الصعوبات التي لم تحسم بعد في هذا الجانب، بما في ذلك قلة المتخصصين في قضايا التشريعات المعلوماتية، وضعف تشريعات وآليات حماية حقوق مؤلفي البرمجيات ، وعدم وجود لوائح تنظم المعلومات . وبالتالي فلا يمكن الارتفاع بمستوى فاعلية خدمات المعلومات في المكتبات دون توافر المعايير الموحدة التي تضمن تقنين الممارسات . ولا يمكن أن ننكر جهود بعض المؤسسات في سياق المعايير والأنظمة ، مثل مكتبة الملك فهد الوطنية ، حيث تقوم بتوثيق عملية تسجيل أوعية المعلومات من خلال الرقم الدولي المعياري للكتب ، والرقم الدولي المعياري للدوريات. كما تتولى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تسجيل براءات الاختراع في المملكة من خلال النظام الوطني لبراءات الاختراع .
ثالثاً : القوى العاملة :
تتوافر في الوقت الراهن مقومات تأهيل الكوادر الوطنية في مجال المكتبات والمعلومات من خلال إنشاء أقسام أكاديمية في بعض الجامعات السعودية ، والابتعاث إلى الخارج ، وتوفير برامج التطوير المهني والتعليم المستمر ، علاوة على قيام شركات التقنية العالمية والوطنية في السوق السعودي بتغيير المفهوم التقليدي لأمين المكتبة من خلال إتاحة فرص التدريب على تقنيات المعلومات الحديثة . وعلى الطرف الآخر، فإن هذه الصورة الإيجابية قد تقابلها صورة سلبية تتمثل في ضعف مستوى تعليم المكتبات والمعلومات واقتصاره على المواد التقليدية ، وضعف الجوانب التطبيقية في مقررات الحاسب ، وقلة عدد الساعات المخصصة لها في الجدول الدراسي .
رابعاً : التمويل :
إن قوة الاقتصاد السعودي وقدرته على تمويل مشروعات تقنيات المعلومات من العوامل التي تدعم الصناعة المعلوماتية ، إلا أن هناك على الطرف الآخر انخفاضاً في مستوى الإنفاق الحكومي على المشروعات المعلوماتية ، كما أن ميزانيات المكتبات السعودية معرضة دائماً للتقلص .. الأمر الذي يؤثر بالتالي سلباً على خدمات المعلومات ، مما يوحي بضرورة دعم القطاع الخاص لهذا الجانب .
خامساً : خدمات المعلومات :
تتوافر في المملكة العديد من المكتبات ومراكز المعلومات التي تقدم خدماتها للمواطنين والمقيمين، بما في ذلك المكتبات العامة والمتخصصة والأكاديمية والمدرسية ، ولمكتبة الملك فهد الوطنية مكانة خاصة في منظومة المعلومات السعودية ، حيث أسهمت في تطور الخدمات بحكم ما تحظى به من حق الإيداع القانوني ، والضبط الببليوجرافي . كما أن مراكز التوثيق والإعلام والبحث العلمي وغيرها تقدم العديد من الخدمات المتطورة التي تتمثل في الإحاطة الجارية والبث الانتقائي للمعلومات ، والاتصال بالإنترنت بغرض التصفح والبحث في قواعد المعلومات . وتتفاوت المكتبات في مدى نجاحها في توفير تلك الخدمات ، ويعود هذا التفاوت إلى نوعية المكتبة وطبيعة المستفيدين واحتياجاتهم .
وهناك مجموعة من العوامل التي تدعم خدمات المعلومات في المملكة بما في ذلك الدعم الرسمي على أعلى المستويات لبناء مجتمع المعلومات ، وانتشار تقنيات المعلومات بمختلف أنواعها ، وقابلية المجتمع لتقبل التقنيات الجديدة والتعامل معها ( الارتفاع المطرد لنسبة مستخدمي الإنترنت في المملكة ) . وفي المقابل نجد بعض العوامل التي قد تحد من تطور خدمات المعلومات والإفادة منها بالشكل الأمثل ، ومن ذلك ضعف التخطيط الإستراتيجي ، وقلة المناصب العليا المتعلقة بالمعلوماتية في القطاع الحكومي ، والضعف الواضح في برامج محو الأمية المعلوماتية للموظفين على رأس العمل ، وضعف الوعي بدور المعلومات في مساندة جهود التخطيط والتنمية .
سادساً : التعريب والترجمة :
يلاحظ ضعف الدور الذي تقوم به اللغة العربية في دورة المعلومات من حيث الإنتاج والتنظيم والنشر ، وتخلف البرمجيات العربية التي تلبي احتياجات مؤسسات المعلومات في المملكة . ذلك أن جميع نظم الحاسبات المستخدمة معربة بشكل يقف عند حدود واجهات التعامل INTERFACES دون التعرض للبرمجيات الأساسية ، مما يحد من كفاءة هذه النظم في التعامل مع البيانات العربية . وهناك ضعف شديد في جهود الترجمة والتعريب ، وقلة الدعم المالي المخصص لهذا الجانب ، إضافة إلى عدم توافر برامج ترجمة آلية ، وعدم استخدام مصطلحات موحدة في كثير من التخصصات العلمية .
وبالرغم من تلك المعوقات فهناك بعض الجهود التي تبذل في هذا السياق ، ومن ذلك ما تقوم به مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من تعريب المصطلحات العلمية والفنية ، حيث عملت على تشجيع البحوث والدراسات في مجال الترجمة والتعريب ، ونشر المصطلح العلمي باللغة العربية، والعمل على ثلاثة مشروعات كبيرة تتمثل في :
1- إنشاء البنك الآلي السعودي للمصطلحات (باسم ) : بغرض حصر وتوثيق النتاج المصطلحي العلمي والتقني من خلال دعم برامج الأبحاث التطويرية للبرامج والنظم الحاسوبية المتقدمة لخدمة مفردات اللغة العربية ومعالجتها ، وليكون الرصيد المصطلحي نواة أساسية لبناء برنامج للترجمة الآلية . وتمثلت إنجازات (باسم) في تنفيذ العديد من المشروعات المعجمية العلمية والتقنية باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية لأكثر من 176 تخصصاً علمياً وفق منهجيات العمل المصطلحي .
2- قاعدة معلومات الكتب العلمية العربية : عدم توافر المراجع والكتب باللغة العربية في التعليم العالي جعل كل من الأستاذ الجامعي والطالب يعتمدان بدرجة كبيرة على اللغة الأجنبية في التدريس والتحصيل ، لذا عمدت المدينة إلى إنشاء هذه القاعدة بغرض توثيق الجهود المبعثرة في تأليف وترجمة الكتاب العلمي العربي .
3- برامج الترجمة الآلية : قامت المدينة بدعم البحوث المتعلقة باستخدامات اللغة العربية في الترجمة بمساندة الحاسب من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية . وقد كان إنشاء مشروع (باسم) النواة الأولى لبرنامج الترجمة المقترح حيث إن ذلك البرنامج يحتاج إلى معجم موسوعي ضخم غني بالمصطلحات العلمية والفنية .
إضافة إلى أنه صدر في عام 2001م الأمر السامي بإنشاء مركز للتعريب والترجمة تحت مسمى ( مركز الملك فهد العالمي للتعريب والترجمة ) الذي يهدف إلى تطبيق تقنية الحاسب في ترجمة الكتب والمجلات وبرامج الحاسب من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية ، ونقل علوم التراث والدين إلى اللغات الأجنبية ، وتوفير مكتبة تحوي الكتب المترجمة في العلوم الطبيعية كالطب والهندسة والتقنية وغيرها لتكون في متناول الطلاب في مختلف التخصصات . كما أن هذا المركز يعنى باللغة العربية من حيث تطوير صناعة المعاجم العربية ، وجعلها أكثر وفاءً بمتطلبات اللغة العربية العلمية .
سابعاً : التعاون :
هناك مجموعة من العوامل التي تحفز على قيام ظاهرة التعاون في الوقت الراهن بين المكتبات ومراكز المعلومات من بينها انفجار المعلومات ، وتقليص الميزانية ، وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمستفيدين . ويؤكد ذلك ما يلاحظ حالياً من تشتت الموارد وغياب التنسيق بين مؤسسات المعلومات السعودية مما يسبب هدراً كبيراً وازدواجية في أعمال وإجراءات تلك المؤسسات . وتجدر الإشارة هنا إلى بعض التجارب في إنشاء شبكات المعلومات ، حيث قامت مدينة الملك عبدالعزيز بإنشاء شبكة الخليج للاتصالات الأكاديمية GULFNET بالتعاون مع شركة IBM عام 1985م بغرض تبادل المعلومات بين الباحثين في دول الخليج العربي ، ومن ثم توقفت هــــذه الشبكة
عام 1998م . وفي عام 1419هـ بدأت المدينة بإدخال خدمة الإنترنت في المملكة وتشغيلها فعلياً، حيث تم ربط الجامعات السعودية بالمدينة إضافة إلى الشركات والمؤسسات التي تتولى تقديم الخدمة للمستفيدين في المملكة . والمؤمل أن تعمل الإنترنت على تسهيل الربط الشبكي ، والحصول على العديد من الخدمات التي لا يمكن الحصول عليها من خلال الشبكة الوطنية أو الشبكة الخليجية .
ثامناً : الإبداع والابتكار :
بالرغم من أن بعض المجلات العلمية السعودية تحظى بالتقدير على المستوى العالمي ، إلا أن النتاج الفكري الوطني محدود خاصة في مجالات العلوم والتقنية ، بدليل أن نسبة براءات الاختراع السعودية تقل عن مثيلاتها في الدول الأخرى . كما تقل نسبة الكتب المنشورة في مجالات العلوم والتقنية عن مثيلاتها من فروع المعرفة البشرية ، وهناك كثافة في الاعتماد على مصادر المعلومات الأجنبية خاصة في المجالات العلمية . ولاشك أن المملكة كسائر الدول العربية تعاني من وجود بعض المعوقات التي تحد من الإبداع العلمي، ومــن وجــود بعض اللــوائــح والأنظمــة الــتي تقف حجــر عثرة أمام بلورة المجتمع المعلوماتي .
تاسعاً : صناعة المعلومات :
من الملاحظ أنه توجد في الوقت الراهن بذرة طيبة لإرساء دعائم صناعة المعلومات في المملكة، وبخاصة ما يتعلق منها بالإنتاج والنشر . فلو ألقينا نظرة فاحصة على صناعة البرمجيات لوجدنا أن هناك الكثير من العوامل التي تساعد على إقامة هذه الصناعة بما في ذلك توافر البنية التحتية المناسبة ، وتوافر الخبرة المحلية في تطوير التطبيقات العربية أو تعريب التطبيقات الأجنبية وتوافر رؤوس أموال قادرة على دعم هذه الصناعة . إلا أنه في الوقت نفسه توجد بعض العقبات التي تؤثر على تقدم المسيرة مثل عدم توافر دراسات جدوى كافية في هذا المجال ، وعدم وجود إحصاءات دقيقة تساعد على إعداد دراسات الجدوى للصناعات المعلوماتية ، كما أن القطاع الخاص يحجم عن المخاطرة في مشروعات غير مضمونة الربح . وتعتمد الصناعات المعلوماتية بشكل رئيس على الخبرات الأجنبية في حين توجد نسبة قليلة من الكوادر الوطنية المؤهلة لصناعة التجهيزات والنظم ، علاوة على ضعف الدعم للبحوث والدراسات في مختلف مجالات صناعة المعلومات (مدينة الملك عبدالعزيز : 1424هـ ، 6 – 23) .
عاشراً : مشروعات مقترحة :
إضافة إلى الإنجازات السابقة التي تمت على أرض الواقع ، هناك مشروعات أخرى مقترحة (خرجت بها الدراسة التي أعدتها مدينة الملك عبدالعزيز عن وضع صناعة المعلومات في المملكة) منها ما تم تنفيذه ، ومنها ما لا يزال تحت التنفيذ، ومنها على سبيل المثال :
1- شبكة المعلومات العلمية والتقنية : وتتولى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تنفيذها بمساندة وزارة التعليم العالي والجامعات ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات. وتهدف هذه الشبكة إلى إتاحة مصادر المعلومات المختلفة لدى الجهات البحثية من خلال بوابة معلوماتية مشتركة للإيفاء باحتياجات العلماء والباحثين وتسهيل عملية تبادلها ، وتوفير خدمات المعلومات المختلفة مثل البحث على الخط المباشر وتسليم الوثائق .
2- اتحاد المكتبات التعاونية : وتتولى مكتبة الملك فهد الوطنية تنفيذ هذا المشروع بمساندة الجامعات السعودية ، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض ، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية . وقد انطلقت الفكرة من صعوبة تحقيق الاكتفاء الذاتي لأية مكتبة ؛ لذا رؤي إنشاء هذا الاتحاد التعاوني بغرض ربط المكتبات السعودية لتبادل المعلومات والخدمات ، والوصول إلى أكبر قدر ممكن من مصادر المعلومات بتكلفة زهيدة ، وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للباحثين ، والتوعية بأهمية المعلومات ، والتنسيق مع مراكز المعلومات الأخرى .
3- شبكة المعلومات الطبية : تقوم وزارة الصحة بتنفيذ هذه الشبكة بمساندة المستشفيات الجامعية والخاصة والخدمات الطبية التابعة لرئاسة الحرس الوطني ووزارة الدفاع والطيران . وهي تهدف إلى حصر وجمع ومعالجة كافة المعلومات الصحية المتوافرة حالياً بغرض تأمين احتياجات جميع العاملين في القطاعات الصحية على مستوى المملكة . (مدينة الملك عبدالعزيز : د . ت ، 28 - 29) .
4- قواعد المعلومات الوطنية : وهو مشروع طموح يشكل منظومة تهدف إلى إنشاء قواعد في مختلف القطاعات بغرض جمع المعلومات وتنظيمها واسترجاعها آلياً وإتاحتها عبر الإنترنت. ومن أبرز أمثلة تلك المشروعات :
أ- قاعدة معلومات القوى العاملة : تتولى وزارة التعليم العالي تنفيذها بمساندة وزارة الخدمة المدنية ، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ، وصندوق التنمية البشرية ، ومجلس القوى العاملة . والهدف منها هو إنشاء قاعدة متخصصة للقوى السعودية العاملة في المجالات العلمية والتقنية وإتاحتها إلكترونياً للمستفيدين .
ب- قاعدة اللوائح والأنظمة : وتتولى رئاسة مجلس الوزراء تنفيذها بمساندة وزارة الخدمة المدنية، ووزارة المالية، وذلك بغرض بناء قاعدة معلــومات شــاملــة للقــوانين واللوائح ، وتيسير سبل الوصول إليها من خلال استخدام تقنية المعلومات.
ج- قاعدة المعلومات الصناعية والتجارية : يقوم بتنفيذها وزارة الصناعة والتجارة بمساندة الغرفة التجارية ، والصندوق السعودي للتنمية الصناعية ، وذلك بغرض إعداد قاعدة تغطي المعلومات ذات الصلة بالمشروعات والسلع المستخدمة والإنتاج والنقل والتوزيع والاستهلاك .
د- قاعدة الإنتاج الفكري : تتولى مكتبة الملك فهد الوطنية تنفيذها بمساندة جهات أخرى تتمثل في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والجامعات السعودية ، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية . والهدف من إنشاء هذه القاعدة هو حصر وتكشيف المقالات وغيرها من أشكال الإنتاج الفكري المنشور في المملكة في مجالات العلوم البحتة والتطبيقية ، وبحث إمكانية التصوير الرقمي لها للوصول إلى النصوص الكاملة لها عبر الشبكات .
هـ- المكتبة الرقمية الوطنية : تتولى مكتبة الملك فهد الوطنية تنفيذها ، وهي مكتبة رقمية تقوم على تسجيل بعض مواد المعلومات المختلفة ذات الصلة بالمملكة في صيغة رقمية ، وتتيح الوصول إليها وفقاً للأساليب المتقدمة للبحث على شبكة الإنترنت .
و- مشروع النظام العام للمعلومات (INFORMATION ACT) : تقوم مكتبة الملك فهد الوطنية بتنفيذه بمساندة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ، وجمعية المكتبات والمعلومات السعودية . والهدف من هذا المشروع هو وضع الأسس العامة واللوائح والأنظمة والمواصفات التي تضمن كيفية التعامل مع المعلومات من حيث التجميع والتنظيم والإنتاج والنشر والبث بما يتوافق مع المصلحة الوطنية .
ز- دعم وتطوير نظام استرجاع عربي : يتولى تنفيذ هذا المشروع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بمساندة جمعية الحاسبات السعودية ، وجمعية المكتبات والمعلومات السعودية، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات . والهدف هو إنتاج نظام استرجاع (محرك بحث) يعتمد على اللغة العربية في عمله كأساس ، ويأخذ في اعتباره متطلبات اللغة العربية ، ويستثمر إمكانات التحليل الصرفي .
ح- دعم الترجمة الآلية : تتولى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تنفيذ هذا المشروع بمساندة جمعية الحاسبات السعودية ، وجمعية المكتبات والمعلومات السعودية . والهدف هو تطوير نظام آلي متعدد اللغات يقوم بالترجمة من اللغة العربية إلى عدد من اللغات الأجنبية وبالعكس للمساعدة في الترجمة الفورية من خلال توظيف تطورات التقنية الإلكترونية وشبكات الاتصال للتواصل بين الثقافات (مدينة الملك عبدالعزيز : د. ت ، 28 – 34) .
والسطور السابقة مؤشر على مدى التقدم الذي أحرزته المملكة في بناء مجتمع معلوماتي، ووضع البذور الأولية لصناعة المعرفة ، وبخاصة في مجال الاتصالات التي تمثل منطلقاً رئيساً لإنجاح نظم المعلومات . ويمكن استثمار هذه البيئة بالشكل الذي يدعم المكتبات ومراكز المعلومات بوصفها مؤسسات تستخدم الحاسب لإنتاج المعلومات وتقديم الخدمات ، وتعزيز العنصر البشري وتأهيله وتدريبه على الأساليب التقنية الحديثة .
هذا عن وضع المجتمع المعلوماتي في المملكة ، أما فيما يتعلق بالدول العربية الأخرى فإن ضعف الصناعة العربية للمعلومات والاتصالات خاصة المنتجات ذات المستوى العالي HIGH – TECH PRODUCTS ظاهرة ملحوظة ، حيث لا يزال الاعتماد على الاستيراد من الدول الغربية ، وهو في أغلبه استيراد عشوائي لا يقوم على الاختيار السليم ، وعلى خطة مدروسة للتقنية الملائمة وتطويعها لصالح البيئة المحلية مما يجعل الدول المستوردة خاضعة لسيطرة الدول المتقدمة وتابعة لها .
وبشكل عام يمكن القول : إن صناعة المعلومات في دول المنطقة لا تزال تتعثر بسبب ما تواجهه من صعوبات من أبرزها نقص الأدوات الأساسية والعوامل المؤثرة في صناعة المعلومات وتقنياتها ، ونقص التخطيط الإستراتيجي ، وضعف أساليب التنسيق بين المؤسسات المعنية بخدمات المعلومات، مما يسبب تكرار الجهود وإهدار الأموال الطائلة، علاوة على ضعف وسائل الاتصال ، ونقص الكفاءات المؤهلة ، وعدم وجود خطط تدريبية جادة في مجال تقنيات المعلومات ، وضعف مسيرة البحث العلمي. وهذا يعني أن الوطن العربي بعيد عن المجتمع المعلوماتي ، والفجوة بينه وبين هذا المجتمع تزداد اتساعاً بمرور الأيام ، وذلك بسبب التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في هذا المجال ، وعجز العرب عن اللحاق بتلك التطورات بالشكل المطلوب (الوردي والمالكي : 2002م ، 291 – 292) .
وفي هذا الصدد يشير أبو بكر الهوش في مقال له يحمل عنوان ( العرب أمام تحديات مجتمع المعلومات ) إلى أن هناك عدة عوامل تعرقل حركة الصناعة المعلوماتية في المنطقة العربية ، ومن بينها ما يأتي :
1- الفجوة الاقتصادية بين دول المنطقة ، فهناك دول غنية تستطيع اقتناء أحدث نظم تقنية المعلومات ، وهناك في المقابل دول فقيرة تعجز عن تــوفير التقنيــة ؛ لأنــها مشغولة بما هو أهم من ذلك .
2- الاختلاف الواضح في مستويات العلوم والتقنية بين تلك الدول .
3- اختلاف المفاهيم والمعاني المتعلقة بالتقنية المعلوماتية حيث ينقصها التوحيد والتقنين.
4- ضعف دور المنظمات العربية المتخصصة في مجال تقنية المعلومات .
5- ضعف دور مراكز المعلومات الوطنية المتوافرة بالدول العربية .
6- نقص الكوادر المؤهلة للتعامل مع نظم المعلومات الحديثة (الهوش : 1419هـ ، 57 – 58) .
وبالرغم من وجود بعض النماذج الجيدة في العالم العربي التي أثبتت وجودها في اختراق حاجز الصناعة المعلوماتية ؛ إلا أنها تفتقد التنسيق التكاملي المشترك ، فهي جهود مشتتة لا رابطة بينها، مما يضعف من قدرتها على الاستمرار . فقد لاحظ الباحث من خلال احتكاكه المستمر بمؤسسات المعلومات في المملكة أن هناك بعض الصناعات المعلوماتية التي تتكرر في أكثر من مؤسسة ، ومن ذلك على سبيل المثال قاعدة الرسائل الجامعية التي تحرص أغلب المكتبات على تصميمها بالرغم من علمها بتوافرها في مكتبات أخرى، وكان الأولى أن يحدث نوع من التفاهم والتنسيق مسبقاً . وهذا يعني أنه توجد نواة طيبة لصناعة المعلومات في المكتبات بيد أنها جهود مكررة تعمل بمعزل عن بعضها ، ولا يوجد تنظيم وطني يلم شملها تحت مظلة واحدة وينسق بينها مما جعل المجال المعلوماتي متخلفاً عن اللحاق بالركب . كما حل التنافس والتنافر بين المؤسسات المعنية بالصناعة المعلوماتية محل الاتحاد والتكامل.
وفي الوقت الذي يتحول فيه العالم من مجتمع صناعي إلى مجتمع معلوماتي ، نجد أن العالم العربي لا يزال يحبو في بداية الطريق ، حيث تتسع الفجوة بينه وبين الدول المتقدمة معلوماتياً ، وذلك لاعتبارات عديدة لعل من أهمها:
1- لا يزال العالم العربي يصنف ضمن المناطق الفقيرة معلوماتياً وتقنياً .
2- التطبيقات الحالية للتقنية تتركز على الجوانب التجارية والإدارية بينما تهمل الجوانب العلمية والثقافية .
3- ضعف البنية والتجهيزات الأساسية للمعلومات .
4- ضعف التعامل مع التقنية الحديثة في العملية التعليمية والتربوية .
5- تناول معظم وسائل الإعلام في الوطن العربي للقضايا المتعلقة بتقنيات المعلومات والاتصالات بأسلوب سطحي (الوردي والمالكي : 2002م ، 47).
وفي هذا الصدد ، تشير إحدى الباحثات إلى أن التقنية ساعدت المكتبات الغربية على التفوق في مجال الصناعة المعلوماتية ، " وهذا ما جعل المكتبات في الدول المتقدمة تبحر في الآفاق عند تجهيز مكتباتها آلياً متجاوزة مرحلة الضبط ، وتسيير العمل ، والخدمات التقليدية إلى التركيز على نوع وكفاءة الخدمات المقدمة التي تفوق احتياجات مستخدميها أحياناً ، بينما لا تزال مكتبات الدول النامية تعجز عن تلبية احتياجات المستفيدين الأساسية ؛ لأنها تنظر للحاسب الآلي نظرة تقليدية ، وحتى في استخدام الحاسب في تقديم الخدمات فهي تكتفي بالحد الأدنى في هذا الصدد " (القبلان : 1422هـ ، 113) .
ويذهب هشام عباس إلى أن تقنية المعلومات في العالم العربي لم تستخدم بعد بما فيه الكفاية، ولم توظف بالشكل المطلوب ، ولم تستعد دول المنطقة بعد للدخول في المجتمع المعلوماتي . وبالرغم من وجود بذرة طيبة في بعض الدول العربية للاهتمام بصناعة المعلومات، فهي لا تزال في مرحلة البداية ، فلم تتمكن أغلب الدول العربية من إصدار الببليوجرافيا الوطنية، وإعداد الفهرس الوطني الموحد (عباس : 2001م ، 14) .
والحقائق السابقة مؤشر على مدى الحاجة إلى وضع إستراتيجية لمجتمع المعلومات في المنطقة العربية ، وذلك من خلال إعطاء أهمية أكبر للوعي المعلوماتي ، ووضع سياسة معلوماتية لكل بلد عربي ، وإنشاء منظمة عربية لصناعة المعلومات ، ومحو الأمية الإلكترونية ، وزيادة حجم الاستثمارات في اقتصاد المعلومات ، والإسراع في إدخال تقنية الحاسوب في نظم التعليم الرسمي ، ووضع الخطط العلمية المدروسة لتطوير صناعة المعلومات وإنتاجها وتحقيق الاستثمار الأمثل لها ، وإلغاء النظرة القديمة التي لا تقيم وزناً للمعلومات بعد أن أصبحت مادة صناعية أولية ومورداً حيوياً مهماً (الوردي والمالكي : 2002م ، 293 – 295) .
رابعاً : نتائج الدراسة :
من استقراء الحقائق التي تم عرضها في السطور السابقة يمكن أن نخرج بالنقاط التالية:
- تم التعامل مع مفهوم صناعة المعلومات في هذه الدراسة بشيء من الشمولية والمرونة، بحيث يستوعب جميع البرامج والنشاطات والوظائف والخدمات التي تنصب على مجتمع المستفيدين ، وتستند على تقنية الحاسب في تقديمها .
- يستخدم بعض الباحثين مصطلح صناعة المعلومات بطريقة تبادلية مع مصطلح صناعة المعرفة أو صناعة الثقافة ، بحيث يعني كل واحد منها المعنى نفسه الذي يعنيه الآخر ، كما أن بعضهم يستخدم مصطلح صناعة المعلومات بطريقة تبادلية مع مصطلح تجهيز المعلومات ، أو مصطلح إنتاج المعلومات .
- تعد المعلومات صناعة أو ثروة وطنية ، ودعامة أساسية للتقدم ، وهي لا تقل أهمية عن الموارد الأخرى الطبيعية والبشرية . وقد أصبح معيار القوة للدول في الوقت الراهن هو قدرتها على التفوق في مجال التصنيع المعلوماتي . ولذا فقد تزايد اهتمام الدول المتقدمة باستثمار هذه الثروة كوسيلة نحو تحقيق متطلبات التنمية، وعملت جاهدة على تبني مؤسسات المعلومات التي أخذت على عاتقها مسؤولية تجهيز المعرفة ، وتوفير المصادر الحديثة ، وتصميم قواعد المعلومات ، واستخدام التقنيات الحديثة ، وتزويدها بالمتخصصين القادرين على توظيف تلك التقنيات لصالح المجتمع .
- يمثل انفجار المعلومات INFORMATION EXPLOSION أبرز مظاهر المجتمع المعلوماتي ، حيث أصبحت المؤسسات تواجه تدفقاً هائلاً في مصادر المعلومات ، وذلك نتيجة لظهور التخصصات الجديدة والتطورات في المجالات العلمية والتقنية، وتحول إنتاج المعلومات إلى صناعة . وترتب على بروز هذه الظاهرة النمو الكبير في حجم النتاج الفكري ، وتشتته ، وتنوع مصادره ، وتعدد أشكاله ولغاته .
- هناك زيادة في عدد المجتمعات والمنظمات المعتمدة على المعلومات ، حيث أصبحت المؤسسات الحكومية والخاصة تعتمد على استخدام نظم معلومات حديثة بغرض تحقيق السرعة والدقة في إنجاز أعمالها وتحسين خدماتها .
- شهد العصر الحالي بزوغ تقنيات المعلومات والنظم المتطورة ، حيث أصبحت التقنيات المعاصرة تعتمد على الحواسيب بأنواعها في خزن المعلومات ومعالجتها واسترجاعها ، وتم التوصل إلى النظم الذكية والخبيرة التي تقدم خدمات متطورة، وأخيراً تم التوصل إلى شبكة الإنترنت التي جعلت العالم قرية كونية صغيرة .
- كما شهد العصر الحالي تنامي النشر الإلكتروني، وقد ساعدت هذه الخدمة مؤسسات المعلومات على تحقيق فوائد عديدة مثل التغلب على مشكلة الحيز ، وتقليص العمليات الفنية ، وخزن الفهارس والكشافات والمستخلصات والدوريات وغيرها على أوعية إلكترونية .
- ثبت أن الممارسات الحالية لصناعة المعلومات خاصة في الدول العربية تتسم بالازدواجية والتكرار .. الأمر الذي يوحي بضرورة توحيد تلك الجهود المبعثرة ، ولم شتاتها تحت مظلة واحدة ، والارتقاء بصناعة المعلومات من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني ، ومن ثم المستوى الإقليمي، وذلك في ضوء إستراتيجية تضبط شؤون هذه الصناعة ، وتحدد المعالم الرئيسة للنهوض بها .
- كما ثبت أن العالم العربي يعاني من ضعف الوعي المعلوماتي ، ولذا ينبغي الإسهام في نشر وتعزيز ثقافة الصناعة المعلوماتية في المجتمع، حيث أصبحت سمة جوهرية من سمات المجتمعات المعاصرة .
قائمة المراجع
1- بدر ، أحمد . السياسة المعلوماتية واستراتيجية التنمية : دراسات شاملة لمصر والوطن العربي وبعض البلاد الأوروبية والأمريكية والأسيوية والأفريقية . تأليف أحمد بدر ، وجلال الغندور، وناريمان متولي .- القاهرة : دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، 2001م .
2- الخليفي ، محمد بن صالح . الإنترنت للمكتبات ومراكز المعلومات السعودية .- الرياض : دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، 1420هـ .
3- السريحي ، حسن عواد ؛ وشاهين ، شريف كامل . مقدمة في علم المعلومات .- جدة: دار الخلود للنشر والتوزيع ، 1417هـ .
4- السريع ، سريع محمد . خدمات المكتبات في المملكة العربية السعودية : واقعها ورضاء المستفيدين عنها واتجاهات تطويرها : بحث ميداني . سريع محمد السريع، خالد عبدالرحمن الجبري ، فهد بن محمد الفريح .- الرياض : معهد الإدارة العامة، 1423هـ .
5- عباس ، هشام بن عبدالله . العرب وعصر المعلومات : تحديات ومواجهة . دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات . مج 6 ، ع 2 ( مايو 2001م ) . ص 9 – 21 .
6- عبدالهادي ، زين . صناعة خدمات المعلومات في مصر : دراسة لكل من القطاعين العام والخاص . الاتجاهات الحديثة في المكتبات والمعلومات . ع 13 ( يناير 2000م) . ص 47 – 83 .
7- عبدالهادي ، محمد فتحي . أسس مجتمع المعلومات وركائز الإستراتيجية العربية في ظل عالم متغير . دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات . مج 4 ، ع 3 (سبتمبر 1999م). ص 124 – 138 .
8- عبدالهادي ، محمد فتحي . المكتبات والمعلومات : دراسات في الإعداد المهني والببليوجرافيا والمعلومات .- ط 3 مزيدة ومنقحة .- القاهرة : مكتبة الدار العربية للكتاب، 1418هـ .
9- العرفج ، خالد عبداللطيف . صناعة المعلومات في المملكة العربية السعودية : دراسة تحليلية لقضايا وخيارات السياسة الوطنية للمعلومات .- الرياض : مكتبة الملك فهد الوطنية ، 1418هـ ( السلسلة الأولى : 24 ) .
10- القبلان ، نجاح بنت قبلان . التجهيزات الآلية لمكتبات التعليم العالي في المملكة العربية السعودية : دراسة لواقع التطبيقات الحاسوبية .- الرياض : مكتبة الملك فهد الوطنية، 1422هـ . ( السلسلة الأولى : 32 ) .
11- متولي، ناريمان إسماعيل . اقتصاديات المعلومات: دراسة للأسس النظرية وتطبيقــاتــهــا العمليـــة على مصر وبعض البلاد الأخرى .- القاهرة : المكتبة الأكاديمية، 1995م .
12- مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. تجارب الدول الأخرى في صناعة المعلومات (تقرير لم ينشر).
13- مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية . الخطة الخمسية الأولى للمعلومات العلمية والتقنية . 1424هـ ( تقرير لم ينشر ) .
14- الهوش، أبو بكر محمود. العرب أمام تحديات مجتمع المعلومات . مجلة المكتبات والمعلومات العربية . س 19، ع 2 ( ذو الحجة 1419هـ ). ص 46 – 63 .
15- الوردي ، زكي حسين ؛ والمالكي ، مجبل لازم. المعلومات والمجتمع .- عمان : مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع ، 2002م .
16- Encyclopedia of Information Systems and Services. 4th edition. Michigan : Gale Research Comp. 1981. 215.
17- Gogolek, W. Information Services : the Information Industry in Poland. Polish Libraries Today. Vol. 3 (1993) . pp. 91-97.
18- Mahesh, G. barriers to Marketing of Information Products and Services in Libraries. Desidoc Bulletin of Information Technology, Vol. 22 No, 3 (Mar 2002). Pp. 38-38.
19- Rubin, machlup. The Size and Scope of the Information Economy: an Historical Overview, in : Information : a Strategy for Economic Growth, Papers Presented at the State of the art Institute. November, 6-8, 1989. Washington, D. C. Special Libraries Association, 1990.
20- ٍSlanker, Barbara, Public Libraries and the Information Industry. Drexel Library Quarterly. Vol. 12. No. 1 and.2 (Jan.-Apr. 1979). Pp. 139-148.
0).
http://www.kfnl.org.sa/idarat/KFNL_JOURNAL/m11/word/1.doc
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire