دراسة حول صناعة المعلومات في المملكة العربية السعودية
دراسة حول صناعة المعلومات في المملكة العربية السعوديةالمقدمة :تعد صناعة المعلومات من أهم المؤشرات الحيوية على الوعي المعلوماتي في أي دولة من الدول ، إذ يقاس تقدم الأمم بمدى قدرتها على جمع المعلومات وتنظيمها ومعالجتها وإخراجها في قالب يخدم الفئات المستهدفة على كافة الأصعدة. وتتأكد أهمية هذه الصناعة في هذا العصر الذي يطلق عليه ( عصر المعلومات ) حيث تزداد الحاجة إلى التوظيف الأمثل للمعلومة من خلال إنتاجها وتجهيزها وتسويقها بشكل يلبي احتياجات المستفيدين . ومن الملاحظ أن المكتبات ومراكز المعلومات في المملكة العربية السعودية بدأت تركز في الآونة الأخيرة على صناعة المعلومات ، بما في ذلك إنشاء نظم وقواعد المعلومات المختلفة ، وتطوير البرامج التقنية وتطويعها، وتوظيف التقنية في تقديم خدمات المعلومات المتنوعة ، وتبني برامج البحوث والتطوير ، والاستشارات ، وبرامج التعليم والتدريب ، ودعم التأليف والترجمة والطباعة والنشر، وغير ذلك من أوجه النشاطات الأخرى التي تندرج تحت مظلة الصناعة المعلوماتية بمفهومها الواسع ، وتشكل البنية والتجهيزات الأساسية لهذه الصناعة الحيوية. الأمر الذي يوحي بأن تلك المؤسسات قد تخطت مرحلة التنظيم والمعالجة إلى مرحلة صناعة المعلومات ، واستطاعت خلال المسيرة التي قطعتها تحقيق إنجازات ملموسة في هذا الصدد . إلا أن الإشكالية هنا تكمن في ضعف التكامل والتنسيق بين تلك المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات ، وذلك نظراً لتشتت الإمكانات ، وتبعثر الجهود . وقد لمس الباحث من خلال معايشته للواقع أن كل جهة تعمل وتخطط بمعزل عما يدور في الجهات الأخرى ، وبذلك حل التنافس والتنافر محل الاتحاد والتكامل، وطغت المصلحة الفردية على المصلحة العامة ، وظهرت على الساحة مشروعات مكررة ، مما ترتب عليه إهدار الأموال والجهود فيما لا طائل تحته . ولم تعد الاستفادة من تلك الجهود الفردية بالشكل المطلوب، حيث إنه ينقصها روح التعاون والتخطيط على المستوى الوطني . مشكلة الدراسة ( خلفية الموضوع وأهميته ) :توحي الحقيقة التي وضحتها السطور السابقة بوجود مشكلة ملحة تستدعي سبر غورها، ووضعها تحت مجهر البحث العلمي . فهي تشكل ظاهرة غير صحية، وقد أثارت هذه الظاهرة انتباه الباحث ، وأشعلت همته لدراستها . وبالتالي نشأت فكرة هذا المشروع الذي يتبنى مبدأ التعاون والتنسيق كحل للمشكلة القائمة ، ويؤكد على أهمية التخطيط الوطني للصناعة المعلوماتية من خلال العمل تحت مظلة جهة رائدة تعمل على تظافر الجهود ، وتقليص حجم العمل بشكل انفرادي ، وتنظيم الوضع الراهن لهذه الصناعة المهمة ، وإيجاد البدائل والحلول للصعوبات التي قد تعرقل مسيرة المشروع التعاوني الذي تبناه الباحث في الدراسة الحالية . ومما يعزز من أهمية الموضوع محط البحث عدم وضوح الرؤية لدى البعض تجاهه ، وذلك بسبب نــدرة الــدراسات العلمية حوله ، مما أوجد حافزاً لدراسة هذا الموضوع ، والسيطرة على أبعاده الواسعة . ويمكن أن يتأتى هذا من خلال معرفة الدور الذي تقوم به مؤسسات المعلومات في المملكة في دعم الصناعة المعلوماتية ، ومدى إسهامها في تقديم الخدمات ، وما تمارسه من الأنشطة ذات الصلة بإنتاج المعلومات وتنظيمها وتحليلها وتوثيقها ، ومن ثم إتاحتها للراغبين فيها . وكذلك تقصي الجهود والمحاولات المبذولة لإيجاد نوع من التكامل في هذا المضمار ، ودراسة أبرز النماذج والممارسات الحالية التعاونية والتنسيقية ( إن وجدت ) ، وبيان ما قد تعانيه من مشكلات تحد من انطلاقتها ، وأيضاً معرفة التطلعات المستقبلية في هذا المجال . وأخيراً الخروج برؤية تحدد المسار المقترح لتكامل الجهود المبذولة لدى المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات في المملكة في ضوء خطة إستراتيجية وطنية . ولاشك أن المعلومات ثروة وطنية شأنها شأن الثروات الأخرى التي ينعم بها المجتمع من طبيعية وبشرية وصناعية وزراعية وغيرها ، بل إن المعلومات تعد بمثابة الشريان الحيوي للحياة المعاصرة ، والدعامة الرئيسة لصنع القرار سياسياً واجتماعياً وعسكرياً. لقد أصبح التوجه العالمي للمكتبات ومراكز المعلومات في الوقت الراهن نحو الاندماج في مشاركات جماعية على شكل تكتلات أو اتحادات أو شبكات تضمن العمل المشترك وتقضي على أسلوب العمل الفردي ، وبذلك يمكن المشاركة في الموارد مع انخفاض التكلفة . ويمثل هذا الأسلوب الجماعي روح العصر بما يمتاز به من تعقيدات ، وارتفاع النفقات ، وشح الموارد المالية ؛ إذ ثبت أن الجهود الفردية أقل نفعاً وأكثر تكلفة ؛ فضلاً عن أن الأسلوب المشار إليه يمنع تكرار الجهود في كل مكتبة على حدة ، ويحفز على توزيع الأعباء على جميع المشاركين.. الأمر الذي يعزز أهمية التخطيط لمثل تلك المشروعات التكاملية التي تقوم على مبدأ المشاركة في المصادر وتبادل الخبرات ، وتقديم خدمات معلومات متميزة للمستفيدين ، والإسهام في إرساء الدعائم الأساسية لقيام منظومة المعلومات الوطنية ، وتأسيس البذرة الأولى لصناعة المعلومات في الدولة ، وهذا هو محور اهتمام هذه الدراسة .أهداف الدراسة :تسعى الدراسة الحالية إلى معرفة مدى إسهام مؤسسات المعلومات في المملكة في دعم الصناعة المعلوماتية ، ومدى توظيف تقنية الحاسب في تجهيز الخدمات، وبخاصة في مجالات المعالجة الفنية ، والخدمات المرجعية ، والضبط الببليوجرافي ، والإحاطة الجارية، وتطويع التقنية ، وصناعة النشر العلمي ؛ إضافة إلى معرفة مدى وجود تكامل وتنسيق بين المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات . ويمكن تحقيق هذا الهدف الرئيس من خلال مجموعة أهداف فرعية يمكن تلخيص أبرزها في الآتي :1- التعرف إلى الوضع الراهن لصناعة المعلومات في المملكة ، من حيث تحديد حجم الدور الذي تقوم به كل مؤسسة من المؤسسات المشاركة في مجتمع الدراسة فيما يتعلق بإنتاج المعلومات ، وتجهيزها ، وبثها ، وتقديم الأنماط المختلفة من الخدمات التي تستند على الحاسب في إعدادها .2- تقصي ما إذا كان يوجد نوع من التعاون والتنسيق بين المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات .3- الكشف عن المستوى الحالي للتعاون ( في حالة وجوده ) ، ومجالاته .4- رصد أبرز الصعوبات التي قد تعرقل تنفيذ المشروعات التعاونية على أرض الواقع ، إضافة إلى الحلول التي يمكن أن تسهم في تذليل تلك الصعوبات .5- الخروج ببعض المقترحات والتوصيات التي يؤمل أن تسهم في تطوير الوضع الراهن لصناعة المعلومات في المملكة ، وتعزيز عملية التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية بهذه الصناعة، وذلك بغية تحسين الخدمات المقدمة للمستفيدين ، والتخطيط لتكوين شبكة تعاونية في هذا الصدد .أسئلة الدراسة :يمكن تحقيق الأهداف المرسومة سلفاً لهذا الجهد العلمي من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية : 1- ما حقيقة الوضع الراهن لصناعة المعلومات في المكتبات ومراكز المعلومات السعودية وبخاصة في مجالات المعالجة الفنية ، والخدمات المرجعية ، والضبط الببليوجرافي ، والإحاطة الجارية ، وتطويع التقنية ، وصناعة النشر العلمي ، وغير ذلك من المجالات الأخرى التي تدعم الصناعة موضوع البحث ؟2- هل يوجد تعاون وتنسيق بين المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات في المملكة ؟3- ما المستوى الحالي للتعاون ( إذا كان موجوداً ) ، وما أبرز مجالاته ؟4- ما أبرز الصعوبات التي قد تعرقل تنفيذ المشروعات التعاونية ، وما أهم الحلول التي يمكن أن تخفف من حدة تلك الصعوبات ؟5- ما أهم المقترحات والتوصيات التي قد تسهم في تطوير الوضع الحالي لصناعة المعلومات في المملكة ، وتدعم التكامل بين الجهات المعنية بهذه الصناعة ؟مجال الدراسة :لقد حاول الباحث في هذه الدراسة أن يرسم بعض الحدود الموضوعية والزمنية والمكانية التي تساعده على السيطرة على الموضوع قيد البحث بالرغم من تشعب أبعاده وسعة جوانبه ، وذلك على النحو التالي : المجال الموضوعي : موضوع الدراسة الحالية هو صناعة المعلومات داخل نطاق المكتبات والمؤسسات المعلوماتية ، التي تتمثل في استخدام الحاسب في إنتاج المعلومات وتقديم الخدمات ، أو بعبارة أخرى خدمات المعلومات التي تستند على الحاسب في تجهيزها . ويدخل في إطار هذا الموضوع توظيف التقنية في المعالجة الفنية (وبخاصة التكشيف والاستخلاص) ، والخدمات المرجعية ، والضبط الببليوجرافي، والإحاطة الجارية ، وتطوير البرامج التقنية وتطويعها ، وصناعة النشر .وهذا يعني أن الدراسة الحالية لم تتناول صناعة المعلومات بمفهومها الواسع، بل تناولتها في إطار مؤسسي محدد ، بحيث يخرج من هذا النطاق المجالات الأخرى التي لها صلة بصناعة المعلومات من قريب أو بعيد مثل الإعلام والصحافة والطباعة والنشر ( خارج المكتبات ) وعلوم الحاسب والاتصالات ونحو ذلك من الحقول المعلوماتية العديدة . المجال المكاني :مع أن هناك مؤسسات عديدة في المملكة تسهم في إنتاج المعلومات وتقديم الخدمات ، بما في ذلك الجامعات ومراكز الترجمة ودور النشر ومراكز الحاسب الآلي ومراكز الإحصاء والأرشيف والتوثيق ، فقد تم التركيز في الدراسة الحالية على المكتبات ومراكز المعلومات وحدها ، وبخاصة المكتبات الجامعية والعامة والمتخصصة والوطنية . في حين تم استبعاد المكتبات المدرسية ، حيث إنها لا تقوم بدور جوهري في إنتاج المعلومات وتوظيف التقنية في تقديم الخدمات نظراً لضعف بنيتها وتجهيزاتها الأساسية .المجال الزمني :يتمثل النطاق الزمني لهذه الدراسة في الفترة التي أجرى الباحث خلالها المسح الميداني، وقام بتوزيع الاستبانات على الجهات المشاركة في مجتمع الدراسة، وذلك خلال الفصل الدراسي الثاني للعام الجامعي 1424 / 1425هـ ، مما يوحي بأن المعطيات التي خرج بها المسح تنطبق على المدة المشار إليها ، وربما جرى عليها بعض التغيير فيما بعد ، ولذا ينبغي تقويم واقع الظاهرة محط البحث في ضوء هذا الإطار الزمني ، وما يرتبط به من إيجابيات وسلبيات .التعريف بمصطلحات الدراسة :ورد في عنوان الدراسة الحالية وفي ثناياها بعض المصطلحات الفنية والعلمية التي يكثر تداولها بين أهل الاختصاص ، ومن المستحسن توضيحها بغرض خدمة القارىء الذي قد لا يكون بالضرورة من المنتمين إلى تخصص المكتبات والمعلومات . ومن أهم تلك المصطلحات ما يأتي :1- صناعة المعلومات :التعريف اللفظي لمفهوم صناعة المعلومات Information Industry يمكن أن يتسع بحيث يشمل دورة نقل المعلومات أو مراحل تدفقها بدءاً من إنتاج الفكرة من المؤلف، ومرورها بمجموعة من العمليات ، لحين تلقيها من قبل القارىء . ولأغراض الدراسة الحالية فقد تم تبني التعريف الإجرائي لهذا المفهوم، بحيث ينصب على العمليات المتعلقة باستخدام الحاسب في إنتاج المعلومات وتقديم الخدمات بما في ذلك التكشيف ، والاستخلاص ، والفهارس المحسبة ، والخدمات المرجعية ، والإحاطة الجارية ، وإعداد الأدوات الفنية والببليوجرافية، وتصميم القواعد المحلية ، وخدمات الاتصال المباشر ، والربط الشبكي ، والنشر العلمي . 2- مجتمع المعلومات : يقصد بمجتمع المعلومات Information Society أو كما يطلق عليه أحياناً المجتمع المعلوماتي ذلك الوسط العلمي " الذي أدرك الأهمية الإستراتيجية للمعلومات وتقنيتها وعمل على استمرارية تسخير موارده لتوفير وتطوير تجهيزات المعلومات وأساليب التعامل معها جمعاً وحفظاً وتحديثاً واسترجاعاً وتحليلاً لخدمة أغراضه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لزيادة رفاهيته أمنياً وصحياً واقتصادياً واجتماعياً " ( يغمور ورفاقه : 1417هـ ، 3 ) . ومن الملاحظ أن أغلبية المنتمين للوسط المعلوماتي يمارسون الأنشطة والبرامج المتعلقة بإنتاج المعلومات ومعالجتها واستثمارها ، ولديهم معرفة بتوظيف التقنية في تجهيز الخدمات .3- تجهيز المعلومات : يقصد بمصطلح تجهيز المعلومات Information Repackaging أو تعبئتها جميع الأساليب والوسائل والأشكال التي تستخدم بغرض تشكيل المعلومات في قوالب تلبي احتياجات المستفيدين ، وتنسجم مع سلوكياتهم في البحث عــن مصــادر المعــرفــة . وعــادة توجــد في كــل مجتمع مجموعة من المرافق ( المكتبات ومراكز المعلومات ) المعنية بتجهيز وتقديم منتجات أو خدمات المعلومات للباحثين بطرق ووسائط متعددة ، حيث تعمل تلك المرافق كوسيط بين منتجي المعلومات ومحتاجيها من أفراد ومجموعات . 4- مؤسسات المعلومات : مع أن مصطلح مؤسسات المعلومات مصطلح رحب ، ويمكن أن يتسع ليشمل مختلف مصادر المعلومات في المجتمع بما في ذلك المكتبات ودور النشر ومراكز الأرشيف والتوثيق والإحصاء ومراكز البحث العلمي في القطاعين الحكومي والخاص ، فقد تم تقليص نطاق المفهوم في الدراسة الحالية بحيث يقتصر على نماذج مختارة من المكتبات ومراكز المعلومات في المملكة التي لها إسهام واضح في دعم الصناعة المعلوماتية . وعلى الرغم من أنه يصعب وضع حد فاصل بين المكتبة ومركز المعلومات ، حيث يوجد تداخل شديد بينهما ، إلا أنه يمكن القول إن المكتبات هي مؤسسات ثقافية تعليمية اجتماعية تعنى بجمع أوعية المعلومات وتنظيمها وتيسير استخدامها ، بما في ذلك المكتبات العامة والجامعية والمتخصصة والوطنية. أما مراكز المعلومات فهي مؤسسات تجنح نحو التخصص الموضوعي ، وخدمة فئات متماثلة من المتخصصين والخبراء ، وهي في العادة تقدم خدمات أكثر تطوراً من تلك التي تقدمها المكتبات ، وتكون ملحقة بمؤسسات بغرض خدمة منسوبيها .5- خدمات المعلومات : يقصد بالمفهوم اللفظي لخدمات المعلومات Information Services الناتج النهائي الذي يحصل عليه المستفيد من المكتبة أو مركز المعلومات ، في حين أن المفهوم الإجرائي في هذه الدراسة يقتصر على الخدمات التي تنعكس على المستفيدين بشكل مباشر ، والتي تستند على الحاسب في إنجازها ، وذلك على النحو الذي تم قياسه في استبانة الدراسة الملحقة ، حيث شمل مفهوم الخدمات العديد من المجالات التي لها صلة بتحليل المعلومات ، والإجابة عن الأسئلة المرجعية ، وتوظيف التقنية في خدمة المستفيدين .6- القوائم الاستنادية : يقصد بالقوائم الاستنادية Authority Lists أو أدوات الضبط الاستنادي تلك الأدوات الضرورية التي تساعد على تقنين الممارسات الفنية في المكتبات ، وتعمل على توحيد إجراءات معالجة أوعية المعلومات ، وبالتالي الحد من الاجتهادات الفردية . بما في ذلك قوائم رؤوس الموضوعات ، والمكانز ، وقوائم أسماء المؤلفين والهيئات ، وغيرها ( السالم : 1417هـ ، 25 ) .7- تطويع التقنية : يشمل مفهوم تطويع تقنية المعلومات جميع المحاولات والجهود المبذولة بهدف تحوير الأجهزة والنظم المستوردة وأقلمتها لتلبية احتياجات المكتبات المحلية ، بما في ذلك إنشاء وتطوير قواعد المعلومات المحلية ، وتعريب البرامج الأجنبية ، وتقديم الخبرات والاستشارات للجهات الأخرى التي تحتاجها ، وغير ذلك من العمليات والنشاطات الأخرى .مجتمع الدراسة :يتكون مجتمع الدراسة الحالية من مختلف أنواع مؤسسات المعلومات في المملكة التي لها دور ملموس وإنجاز واضح في مجال صناعة المعلومات ، بما في ذلك المكتبات العامة ، والجامعية، والمتخصصة ، والوطنية ، ومراكز المعلومات . ونظراً لصغر حجم المكتبات الجامعية في المنطقة فقد وقع الاختيار عليها جميعها، فيما عدا مكتبة جامعة الملك خالد في أبها فقد استثنيت نظراً لحداثتها، ولذا تم الاقتصار على سبع مكتبات مركزية موزعة على الرياض ، وجدة ، ومكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، والظهران ، والدمام . أما المكتبات الوطنية فلا يوجد أصلاً إلا مكتبة واحدة من هذا القبيل ( مكتبة الملك فهد الوطنية ) ، ولذا فطبيعي أن يقع عليها الاختيار وحدها . في حين أن بقية المؤسسات تم تحديد نماذج مختارة منها . ففي حالة المكتبات العامة وقع الاختيار على حالة واحدة (مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض) بوصفها أنموذجاً حديثاً للمكتبات العامة على مستوى المملكة ، ولها مكانة معروفة بين المتخصصين ؛ إضافة إلى ما لها من تجارب ناجحة في صناعة المعلومات . وفي حالة المكتبات المتخصصة ، تم تحديد مجموعة من المؤسسات المعروفة بإسهاماتها في هذا الصدد، بما في ذلك مكتبة معهد الإدارة العامة ، ومكتبة وزارة التخطيط ، ومكتبة مستشفى الملك خالد التابع للحرس الوطني بجدة ، وذلك بوصفها نماذج مختارة للمكتبات المتخصصة في المملكة ، وأيضاً لتفاوت تبعيتها الإدارية ( وزارة ، مستشفى ، معهد ) .أما في حالة مراكز المعلومات ، فقد وقع الاختيار على مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ، ودارة الملك عبدالعزيز ، ومركز المعلومات بالبنك الإسلامي للتنمية ، ومركز معلومات مجلس التعاون الخليجي . في حين أنه تم استثناء المكتبات المدرسية ( كما سبقت الإشارة إلى ذلك ) نظراً لضعف إسهامها في هذا المجال .والحقيقة أن جميع النماذج المشار إليها وقع عليها الاختيار لتمثل المجتمع الكلي ، نظراً لتميزها في مجال الصناعة المعلوماتية ، حيث تتوافر لها الظروف المناسبة من حيث جودة المجموعات، واكتمال التجهيزات الآلية والفنية ، ولها تجارب قائمة مع توظيف تقنية الحاسب في إنتاج المعلومات وتقديم الخدمات .المنهجية والخطوات الإجرائية :لتحقيق الأهداف المرسومة سلفاً لهذا الجهد العلمي ، فقد قام الباحث باستخدام المنهج الوصفي ( المسحي ) بوصفه الأنسب لمعالجة الظاهرة قيد البحث . ذلك أن هذا النوع من المناهج يساعد على وصف الظواهر المعاصرة ، وتحقيق الأهداف المنشودة ، والإجابة عن الأسئلة المطروحة ، والتعرف إلى بعض الحقائق التفصيلية حول الموضوع الذي نحن بصدده، مما يمكن الباحث من تقديم وصف شامل ، وتشخيص مناسب للظاهرة تحت الدراسة .وتم جمع المعلومات المطلوبة من خلال الاستعانة بأكثر من أداة ، وذلك على النحو التالي :1- مراجعة الإنتاج الفكري المتعلق بالموضوع باللغتين العربية والإنجليزية .2- تصميم استبانة لقياس المتغيرات الأساسية للدراسة .3- القيام بزيارات ميدانية للمؤسسات المشاركة في مجتمع الدراسة ، وذلك بغرض التعرف عن كثب إلى واقع تلك المؤسسات ، ومدى إسهامها في صناعة المعلومات ، وما تواجهه من صعوبات في هذا الصدد ، ودراسة المشروعات التعاونية التي تبنتها .4- إجراء مقابلات شخصية مع المشرفين على تلك المؤسسات والعاملين فيها.5- الاطلاع على التقارير المنشورة وغير المنشورة حول موضوع الدراسة .6- توظيف الملاحظة وخبرات الباحث في دراسة الموضوع .وكان من الطبيعي أن يتم التركيز على أسلوب الاستبانة لجمع المعلومات المطلوبة ؛ نظراً لتوزع مواقع المشاركين في مجتمع الدراسة على مناطق متباعدة . ومن المتعارف عليه من الناحية المنهجية أنه بالبرغم مما للاستبانة من ميزات وعيوب كأداة للمعلومات المزمع جمعها ، فهي تعد من أفضل الأدوات التي يمكن استخدامها للحصول على معلومات من مجتمعات مشتتة مع توفير الوقت والجهد والمال . ولتصميم الاستبانة ، فقد حرص الباحث على الاطلاع على النماذج المستخدمة في الدراسات السابقة مع إجراء بعض التعديلات عليها ، ومن ثم إخراجها بشكل يناسب طبيعة الدراسة الحالية . وقبل توزيع الاستبانة بشكلها النهائي جرى اختبارها (تحكيمها) مبدئياً ، وذلك من خلال إرسالها إلى عينة من الخبراء والمتخصصين والمهتمين بالبحث العلمي في المجال ، وكانت ردودهم بشكل عام مشجعة . وقد قاموا بإبداء بعض الملحوظات البسيطة ، وبالتالي تم إجراء بعض التعديلات على الاستبانة قبل طباعتها وإخراجها بشكلها النهائي .وبعد ذلك بدأت مرحلة إرسال الاستبانات إلى المجتمع المشارك في الدراسة المسحية، حيث تم إرسال ( 17 ) استبانة ، وتم إرفاق خطاب رسمي مع كل استبانة بغرض حفز المشاركين على إنجاح مشروع الدراسة . وفي هذا الخطاب طلب من المشرفين على الجهات المشاركة القيام بمهمة تعبئة الاستبانة ، وتم توضيح الغرض من الدراسة، وتطمين المشاركين على أن إجاباتهم ستحظى بمنتهى السرية . وتتكون الاستبانة من (11) محوراً ، تشتمل على (26) سؤالاً (الملحق رقم 1)، وذلك على النحو التالي : 1- المحور الأول : معلومات عامة ، تناول اسم الجهة المشاركة ، والمؤسسة التي تتبعها، وسنة إنشائها .2- المحور الثاني : المعالجة الفنية ، ركز على استخدام الحاسب في مجالات التكشيف والاستخلاص وإعداد الفهارس المحسبة .3- المحور الثالث : الخدمات المرجعية ، تمحور حول الخدمات التي تستند على الحاسب في إنجازها ، بما في ذلك طباعة المستخرجات ، وإيصال الوثائق ، وتوفير الأدوات المرجعية المحسبة .4- المحور الرابع : الضبط الببليوجرافي ، شمل مختلف أنماط القوائم الببليوجرافية ، وقوائم الاستناد المتوافرة في الجهات المشاركة في الدراسة .5- المحور الخامس : الإحاطة الجارية ، غطى هذا المحور مجالات الإحاطة المتمثلة في نشرة الإضافات ، ونشرة المستخلصات ، والاتصال بالمستفيدين عبر البريد الإلكتروني ، والبث الانتقائي للمعلومات .6- المحور السادس : تطوير التقنية وتطويعها ، تناول هذا المحور جهود المؤسسات المشاركة في تصميم قواعد المعلومات المحلية ، وخدمات الاتصال المباشر ، والربط الشبكي ، وإتاحة الفهارس عبر شبكة الإنترنت ، وتعريب البرامج الأجنبية .7- المحور السابع : صناعة النشر ، تناول أبرز إسهامات مجتمع الدراسة في مجال النشر العلمي بشقيه التقليدي والإلكتروني .8- المحور الثامن : التكامل بين مؤسسات المعلومات ، عالج هذا المحور التعاون والتنسيق ( في حالة وجوده ) بين الجهات المشاركة في مجال صناعة المعلومات من حيث نطاق التعاون ومجالاته .9- المحور التاسع : الصعوبات والمشكلات ، ركز على الصعوبات التي تواجهها مؤسسات المعلومات في المملكة ، وتحد من التعاون والتنسيق بينها ، وأبرز الحلول التي يمكن أن تسهم في تذليل تلك الصعوبات .10- المحور العاشر : الإشراف والتنسيق ، عالج قضية الجهة أو الجهات التي يرى المشاركون أنها مؤهلة للإشراف على المشروعات التعاونية .11- المحور الحادي عشر : مقترحات المشاركين ، طلب من المشاركين في هذا المحور تسجيل ما لديهم من آراء ومقترحات تسهم في تحسين الوضع الراهن لصناعة المعلومات في المملكة ، وتعزز مبدأ التكامل وتوحيد الجهود بين المؤسسات المعنية بهذه الصناعة الحيوية .وعلى أي حال ، فقد كانت الأسئلة جميعها مغلقة ومحددة ، حيث يمكن الإجابة عنها بأقل وقت وجهد ، إضافة إلى سهولة تحليلها ، أما المحور الأخير المتعلق بمقترحات المشاركين في الدراسة فقد ترك مفتوحاً ليعطيهم حرية تسجيل ما لديهم من مقترحات وانطباعات تجاه الظاهرة موضوع البحث ، ولذكر بعض الجوانب التي ربما غابت عن ذهن الباحث ، ولم ترد في أسئلة الاستبانة . وقد مرت عملية إرسال الاستبانات وجمعها بمرحلتين ؛ حيث تم في المرحلة الثانية إرسال خطاب إلحاقي Follow – Up Letter للجهات التي لم ترد على الاستبانة الأولى. وبشكل عام فقد كان مجموع الاستبانات الراجعة مشجعاً ، حيث أعيدت جميع الاستبانات المرسلة معبأة ومكتملة البيانات وصالحة للتحليل الإحصائي ، بما يمثل نسبة 100% من مجموع عينة الدراسة الفعلية . وتم تحليل جميع الاستبانات المعادة نظراً لاكتمال بياناتها كما سبقت الإشارة إلى ذلك .بعد تجميع البيانات اللازمة عن طريق الأداة الرئيسة ( الاستبانة ) والأدوات الأخرى المساندة ( الزيارات والمقابلات الشخصية والاتصالات الهاتفية والملاحظة ) قام الباحث بمراجعة الاستبانات مرة أخرى بغرض التأكد من دقة الإجابات وجديتها ، وتم بعد ذلك ترميزها وتفريغها في جداول . ونظراً لصغر حجم مجتمع الدراسة فقد تمت معالجة الاستبانات يدوياً دون الحاجة لاستخدام الحاسوب ، ومن ثم بدأت مرحلة التحليل الإحصائي ، وذلك من خلال توظيف أسلوب الإحصاء الوصفي المتمثل في رصد التكرارات والنسب المئوية لجميع المتغيرات التي عالجتها الدراسة ، وذلك بوصفها من الناحية العلمية دراسة استطلاعية أو استكشافية Exploratory Study . ويؤمل أن يخرج هذا الجهد العلمي بمعطيات تكشف النقاب عن واقع صناعة المعلومات في المؤسسات المعنية في المنطقة ، وتبين مدى استعدادها للتعاون والتنسيق في هذا المجال ، وتناقش ما قد يعتور المشروعات التعاونية من مشكلات ، وتطرح الحلول لها . ويمكن أن يستأنس بتلك المعطيات المسؤولون والمخططون لقطاع المعلومات في المملكة ، لما تحمله من حقائق صادقة مستمدة من الدراسة العلمية للظاهرة على أرض الواقع ، وبذلك يمكن توحيد تلك الجهود المبعثرة ، ولم شتاتها تحت مظلة واحدة ، والارتقاء بصناعة المعلومات من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني ، وذلك في ضوء إستراتيجية تضبط شؤون هذه الصناعة ، وتحدد المعالم الرئيسة للنهوض بها . وفي الوقت نفسه ، يمكن الإسهام في نشر وتعزيز ثقافة الصناعة المعلوماتية في المجتمع ، حيث أصبحت سمة جوهرية من سمات المجتمعات المعاصرة . ويوضح الفصل الثالث المعطيات التي خرجت بها الدراسة الميدانية .الدراسات العلمية السابقة :لقد حظي الموضوع محط الدراسة ببعض البحوث النظرية والدراسات الميدانية التي أسهمت في كشف النقاب عن طبيعته وأبعاده والعناصر المكونة له ، وخرجت ببعض المعطيات التي كان لها دور في إثراء الرصيد المعرفي في المجال ، وتحسين الممارسات الحالية. ومن خلال الاطلاع الفاحص على ما نشر من أدبيات في هذا السياق استطاع الباحث رصدها في ثلاث فئات رئيسة ، وذلك على النحو الآتي :1- الفئة الأولى : وتشمل التقارير والنشرات والكتابات الإعلامية التي تتحدث عن صناعة المعلومات في المملكة من منطلق إعلامي ، ويغلب عليها الأسلوب الدعائي واللغة الإنشائية لكونها تعكس تجارب محلية لدى بعض الجهات ، وفي الغالب قام بكتابتها أشخاص محسوبون عليها، وبعض المعلومات والإحصاءات الواردة في تلك الكتابات لا تخلو من المبالغات وتضخيم الأرقام .2- الفئة الثانية : وتشمل البحوث والمقالات النظرية التي صدرت عن الباحثين ومعظمهم من الأكاديميين ، وهي تعكس في الغالب تجاربهم الشخصية وانطباعاتهم الذاتية من خلال معايشتهم للواقع ، وملاحظة ما يجري على الساحة من تطورات .3- الفئة الثالثة ، وتشمل الدراسات الميدانية التي تعتمد على المنهجية العلمية في تناول الموضوع ، وهي على أي حال نادرة ، وتثار حولها بعض الملحوظات العلمية والمنهجية، كما ستكشف عن ذلك السطور اللاحقة . ولن نتعرض في هذه العجالة للدراسات التي تندرج تحت الفئتين الأوليين ، حيث لا تهمنا الفئة الأولى ( الدراسات الإعلامية ) ، أما الفئة الثانية ( البحوث النظرية ) فقد تم تغطيتها في مواضعها المناسبة من الدراسة . وبالتالي فإن ما يهمنا حقيقة هو الفئة الثالثة المتعلقة بالدراسات العلمية ، حيث تم عرضها في السطور اللاحقة وفقاً لتاريخ صدورها . ومن نماذج تلك الدراسات العلمية دراسة صالح المسند ( 1995م ) عن خدمات المعلومات بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية خلال الفترة 1409 – 1414هـ، وكان الهدف من هذه الدراسة هو معرفة طرق الإفادة من خدمات المركز ، والبيئات التي ينتمي إليها الباحثون ، ونوعية المعلومات التي يحتاجونها ، ومن ثم توظيف المعطيات في تطوير الخدمات الحالية والتخطيط لخدمات جديدة . وتكون مجتمع الدراسة من جميع الباحثين الذين استفادوا من المركز خلال المدة المشار إليها . واعتمد الباحث في المسح الميداني على تحليل بيانات التقرير الإحصائي السنوي خلال النطاق الزمني للدراسة، وطبق منهج دراسات المستفيدين. وأظهرت نتائج دراسة المسند أن معظم من استفاد من خدمات المعلومات الطلاب الجامعيون ، وأغلبهم من الذكور الذين يعدون أبحاثاً جامعية . وحظيت المصادر العربية بالنصيب الأكبر خاصة فيما يتعلق بعلوم الدين الإسلامي والعلوم الاجتماعية والجغرافيا والتراجم والتاريخ . وبناء عليه فقد اقترح الباحث دراسة إمكانية التوسع في إعداد ونشر قواعد المعلومات المخزنة على الأقراص الضوئية، واستخدام التقنيات الحديثة في توصيل الوثائق إلى المستفيدين في مختلف أرجاء المملكة ، واستكمال إعداد المكانز وأدوات التحليل الموضوعي بغرض كسب رضا المستفيدين ، والتوسع في نوعيات الخدمات التي يقدمها المركز للمستفيدين مثل الإحاطة الجارية ، والبث الانتقائي للمعلومات ، وتيسير وصول المستفيد إلى قواعد المعلومات المحسبة من خارج المركز ( المسند : 1995م ) .وثمة دراسة أخرى قامت بها شعاع أبوعوف ( 1416هـ ) عن مكتبات مستشفيات مدينة جدة ، بغرض معرفة مدى استخدام الأطباء لمصادر المعلومات المتوافرة ، ومستوى الخدمات المقدمة في تلك المكتبات ، ونشاطها في مجال صناعة المعلومات . وشمل مجتمع الدراسة أمينات المكتبات ، والأطباء العاملين في مستشفى الملك فهد العام ، ومستشفى جامعة الملك عبدالعزيز ، ومستشفى الملك فهد للقوات المسلحة ، ومستشفى الدكتور سليمان فقيه . وبلغ عدد الذين شملتهم الدراسة 267 طبيباً من مجموع 412 طبيباً ( بنسبة 64.8%) ، إضافة إلى خمس أمينات مكتبات . وكان من أهم النتائج التي أسفرت عنها دراسة أبو عوف أن الأطباء يواجهون بعض الصعوبات عند استخدامهم لمصادر المعلومات في المكتبات المدروسة مثل غياب تقنية المعلومات الحديثة التي تسهل عملية إيجاد المعلومات المطلوبة ، ونقص الخدمات الإرشادية والتعريفية بالمكتبة. ومن ضمن ما انتهت إليه الدراسة من توصيات ضرورة مد مكتبات المستشفيات بالتقنية الحديثة اللازمة لتطوير خدماتها ، والعمل على إصدار الفهارس وأدوات الضبط الموحدة للمكتبات الطبية ، وتأسيس البرامج التعاونية بين المكتبات الطبية
دراسة حول صناعة المعلومات في المملكة العربية السعوديةالمقدمة :تعد صناعة المعلومات من أهم المؤشرات الحيوية على الوعي المعلوماتي في أي دولة من الدول ، إذ يقاس تقدم الأمم بمدى قدرتها على جمع المعلومات وتنظيمها ومعالجتها وإخراجها في قالب يخدم الفئات المستهدفة على كافة الأصعدة. وتتأكد أهمية هذه الصناعة في هذا العصر الذي يطلق عليه ( عصر المعلومات ) حيث تزداد الحاجة إلى التوظيف الأمثل للمعلومة من خلال إنتاجها وتجهيزها وتسويقها بشكل يلبي احتياجات المستفيدين . ومن الملاحظ أن المكتبات ومراكز المعلومات في المملكة العربية السعودية بدأت تركز في الآونة الأخيرة على صناعة المعلومات ، بما في ذلك إنشاء نظم وقواعد المعلومات المختلفة ، وتطوير البرامج التقنية وتطويعها، وتوظيف التقنية في تقديم خدمات المعلومات المتنوعة ، وتبني برامج البحوث والتطوير ، والاستشارات ، وبرامج التعليم والتدريب ، ودعم التأليف والترجمة والطباعة والنشر، وغير ذلك من أوجه النشاطات الأخرى التي تندرج تحت مظلة الصناعة المعلوماتية بمفهومها الواسع ، وتشكل البنية والتجهيزات الأساسية لهذه الصناعة الحيوية. الأمر الذي يوحي بأن تلك المؤسسات قد تخطت مرحلة التنظيم والمعالجة إلى مرحلة صناعة المعلومات ، واستطاعت خلال المسيرة التي قطعتها تحقيق إنجازات ملموسة في هذا الصدد . إلا أن الإشكالية هنا تكمن في ضعف التكامل والتنسيق بين تلك المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات ، وذلك نظراً لتشتت الإمكانات ، وتبعثر الجهود . وقد لمس الباحث من خلال معايشته للواقع أن كل جهة تعمل وتخطط بمعزل عما يدور في الجهات الأخرى ، وبذلك حل التنافس والتنافر محل الاتحاد والتكامل، وطغت المصلحة الفردية على المصلحة العامة ، وظهرت على الساحة مشروعات مكررة ، مما ترتب عليه إهدار الأموال والجهود فيما لا طائل تحته . ولم تعد الاستفادة من تلك الجهود الفردية بالشكل المطلوب، حيث إنه ينقصها روح التعاون والتخطيط على المستوى الوطني . مشكلة الدراسة ( خلفية الموضوع وأهميته ) :توحي الحقيقة التي وضحتها السطور السابقة بوجود مشكلة ملحة تستدعي سبر غورها، ووضعها تحت مجهر البحث العلمي . فهي تشكل ظاهرة غير صحية، وقد أثارت هذه الظاهرة انتباه الباحث ، وأشعلت همته لدراستها . وبالتالي نشأت فكرة هذا المشروع الذي يتبنى مبدأ التعاون والتنسيق كحل للمشكلة القائمة ، ويؤكد على أهمية التخطيط الوطني للصناعة المعلوماتية من خلال العمل تحت مظلة جهة رائدة تعمل على تظافر الجهود ، وتقليص حجم العمل بشكل انفرادي ، وتنظيم الوضع الراهن لهذه الصناعة المهمة ، وإيجاد البدائل والحلول للصعوبات التي قد تعرقل مسيرة المشروع التعاوني الذي تبناه الباحث في الدراسة الحالية . ومما يعزز من أهمية الموضوع محط البحث عدم وضوح الرؤية لدى البعض تجاهه ، وذلك بسبب نــدرة الــدراسات العلمية حوله ، مما أوجد حافزاً لدراسة هذا الموضوع ، والسيطرة على أبعاده الواسعة . ويمكن أن يتأتى هذا من خلال معرفة الدور الذي تقوم به مؤسسات المعلومات في المملكة في دعم الصناعة المعلوماتية ، ومدى إسهامها في تقديم الخدمات ، وما تمارسه من الأنشطة ذات الصلة بإنتاج المعلومات وتنظيمها وتحليلها وتوثيقها ، ومن ثم إتاحتها للراغبين فيها . وكذلك تقصي الجهود والمحاولات المبذولة لإيجاد نوع من التكامل في هذا المضمار ، ودراسة أبرز النماذج والممارسات الحالية التعاونية والتنسيقية ( إن وجدت ) ، وبيان ما قد تعانيه من مشكلات تحد من انطلاقتها ، وأيضاً معرفة التطلعات المستقبلية في هذا المجال . وأخيراً الخروج برؤية تحدد المسار المقترح لتكامل الجهود المبذولة لدى المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات في المملكة في ضوء خطة إستراتيجية وطنية . ولاشك أن المعلومات ثروة وطنية شأنها شأن الثروات الأخرى التي ينعم بها المجتمع من طبيعية وبشرية وصناعية وزراعية وغيرها ، بل إن المعلومات تعد بمثابة الشريان الحيوي للحياة المعاصرة ، والدعامة الرئيسة لصنع القرار سياسياً واجتماعياً وعسكرياً. لقد أصبح التوجه العالمي للمكتبات ومراكز المعلومات في الوقت الراهن نحو الاندماج في مشاركات جماعية على شكل تكتلات أو اتحادات أو شبكات تضمن العمل المشترك وتقضي على أسلوب العمل الفردي ، وبذلك يمكن المشاركة في الموارد مع انخفاض التكلفة . ويمثل هذا الأسلوب الجماعي روح العصر بما يمتاز به من تعقيدات ، وارتفاع النفقات ، وشح الموارد المالية ؛ إذ ثبت أن الجهود الفردية أقل نفعاً وأكثر تكلفة ؛ فضلاً عن أن الأسلوب المشار إليه يمنع تكرار الجهود في كل مكتبة على حدة ، ويحفز على توزيع الأعباء على جميع المشاركين.. الأمر الذي يعزز أهمية التخطيط لمثل تلك المشروعات التكاملية التي تقوم على مبدأ المشاركة في المصادر وتبادل الخبرات ، وتقديم خدمات معلومات متميزة للمستفيدين ، والإسهام في إرساء الدعائم الأساسية لقيام منظومة المعلومات الوطنية ، وتأسيس البذرة الأولى لصناعة المعلومات في الدولة ، وهذا هو محور اهتمام هذه الدراسة .أهداف الدراسة :تسعى الدراسة الحالية إلى معرفة مدى إسهام مؤسسات المعلومات في المملكة في دعم الصناعة المعلوماتية ، ومدى توظيف تقنية الحاسب في تجهيز الخدمات، وبخاصة في مجالات المعالجة الفنية ، والخدمات المرجعية ، والضبط الببليوجرافي ، والإحاطة الجارية، وتطويع التقنية ، وصناعة النشر العلمي ؛ إضافة إلى معرفة مدى وجود تكامل وتنسيق بين المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات . ويمكن تحقيق هذا الهدف الرئيس من خلال مجموعة أهداف فرعية يمكن تلخيص أبرزها في الآتي :1- التعرف إلى الوضع الراهن لصناعة المعلومات في المملكة ، من حيث تحديد حجم الدور الذي تقوم به كل مؤسسة من المؤسسات المشاركة في مجتمع الدراسة فيما يتعلق بإنتاج المعلومات ، وتجهيزها ، وبثها ، وتقديم الأنماط المختلفة من الخدمات التي تستند على الحاسب في إعدادها .2- تقصي ما إذا كان يوجد نوع من التعاون والتنسيق بين المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات .3- الكشف عن المستوى الحالي للتعاون ( في حالة وجوده ) ، ومجالاته .4- رصد أبرز الصعوبات التي قد تعرقل تنفيذ المشروعات التعاونية على أرض الواقع ، إضافة إلى الحلول التي يمكن أن تسهم في تذليل تلك الصعوبات .5- الخروج ببعض المقترحات والتوصيات التي يؤمل أن تسهم في تطوير الوضع الراهن لصناعة المعلومات في المملكة ، وتعزيز عملية التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية بهذه الصناعة، وذلك بغية تحسين الخدمات المقدمة للمستفيدين ، والتخطيط لتكوين شبكة تعاونية في هذا الصدد .أسئلة الدراسة :يمكن تحقيق الأهداف المرسومة سلفاً لهذا الجهد العلمي من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية : 1- ما حقيقة الوضع الراهن لصناعة المعلومات في المكتبات ومراكز المعلومات السعودية وبخاصة في مجالات المعالجة الفنية ، والخدمات المرجعية ، والضبط الببليوجرافي ، والإحاطة الجارية ، وتطويع التقنية ، وصناعة النشر العلمي ، وغير ذلك من المجالات الأخرى التي تدعم الصناعة موضوع البحث ؟2- هل يوجد تعاون وتنسيق بين المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات في المملكة ؟3- ما المستوى الحالي للتعاون ( إذا كان موجوداً ) ، وما أبرز مجالاته ؟4- ما أبرز الصعوبات التي قد تعرقل تنفيذ المشروعات التعاونية ، وما أهم الحلول التي يمكن أن تخفف من حدة تلك الصعوبات ؟5- ما أهم المقترحات والتوصيات التي قد تسهم في تطوير الوضع الحالي لصناعة المعلومات في المملكة ، وتدعم التكامل بين الجهات المعنية بهذه الصناعة ؟مجال الدراسة :لقد حاول الباحث في هذه الدراسة أن يرسم بعض الحدود الموضوعية والزمنية والمكانية التي تساعده على السيطرة على الموضوع قيد البحث بالرغم من تشعب أبعاده وسعة جوانبه ، وذلك على النحو التالي : المجال الموضوعي : موضوع الدراسة الحالية هو صناعة المعلومات داخل نطاق المكتبات والمؤسسات المعلوماتية ، التي تتمثل في استخدام الحاسب في إنتاج المعلومات وتقديم الخدمات ، أو بعبارة أخرى خدمات المعلومات التي تستند على الحاسب في تجهيزها . ويدخل في إطار هذا الموضوع توظيف التقنية في المعالجة الفنية (وبخاصة التكشيف والاستخلاص) ، والخدمات المرجعية ، والضبط الببليوجرافي، والإحاطة الجارية ، وتطوير البرامج التقنية وتطويعها ، وصناعة النشر .وهذا يعني أن الدراسة الحالية لم تتناول صناعة المعلومات بمفهومها الواسع، بل تناولتها في إطار مؤسسي محدد ، بحيث يخرج من هذا النطاق المجالات الأخرى التي لها صلة بصناعة المعلومات من قريب أو بعيد مثل الإعلام والصحافة والطباعة والنشر ( خارج المكتبات ) وعلوم الحاسب والاتصالات ونحو ذلك من الحقول المعلوماتية العديدة . المجال المكاني :مع أن هناك مؤسسات عديدة في المملكة تسهم في إنتاج المعلومات وتقديم الخدمات ، بما في ذلك الجامعات ومراكز الترجمة ودور النشر ومراكز الحاسب الآلي ومراكز الإحصاء والأرشيف والتوثيق ، فقد تم التركيز في الدراسة الحالية على المكتبات ومراكز المعلومات وحدها ، وبخاصة المكتبات الجامعية والعامة والمتخصصة والوطنية . في حين تم استبعاد المكتبات المدرسية ، حيث إنها لا تقوم بدور جوهري في إنتاج المعلومات وتوظيف التقنية في تقديم الخدمات نظراً لضعف بنيتها وتجهيزاتها الأساسية .المجال الزمني :يتمثل النطاق الزمني لهذه الدراسة في الفترة التي أجرى الباحث خلالها المسح الميداني، وقام بتوزيع الاستبانات على الجهات المشاركة في مجتمع الدراسة، وذلك خلال الفصل الدراسي الثاني للعام الجامعي 1424 / 1425هـ ، مما يوحي بأن المعطيات التي خرج بها المسح تنطبق على المدة المشار إليها ، وربما جرى عليها بعض التغيير فيما بعد ، ولذا ينبغي تقويم واقع الظاهرة محط البحث في ضوء هذا الإطار الزمني ، وما يرتبط به من إيجابيات وسلبيات .التعريف بمصطلحات الدراسة :ورد في عنوان الدراسة الحالية وفي ثناياها بعض المصطلحات الفنية والعلمية التي يكثر تداولها بين أهل الاختصاص ، ومن المستحسن توضيحها بغرض خدمة القارىء الذي قد لا يكون بالضرورة من المنتمين إلى تخصص المكتبات والمعلومات . ومن أهم تلك المصطلحات ما يأتي :1- صناعة المعلومات :التعريف اللفظي لمفهوم صناعة المعلومات Information Industry يمكن أن يتسع بحيث يشمل دورة نقل المعلومات أو مراحل تدفقها بدءاً من إنتاج الفكرة من المؤلف، ومرورها بمجموعة من العمليات ، لحين تلقيها من قبل القارىء . ولأغراض الدراسة الحالية فقد تم تبني التعريف الإجرائي لهذا المفهوم، بحيث ينصب على العمليات المتعلقة باستخدام الحاسب في إنتاج المعلومات وتقديم الخدمات بما في ذلك التكشيف ، والاستخلاص ، والفهارس المحسبة ، والخدمات المرجعية ، والإحاطة الجارية ، وإعداد الأدوات الفنية والببليوجرافية، وتصميم القواعد المحلية ، وخدمات الاتصال المباشر ، والربط الشبكي ، والنشر العلمي . 2- مجتمع المعلومات : يقصد بمجتمع المعلومات Information Society أو كما يطلق عليه أحياناً المجتمع المعلوماتي ذلك الوسط العلمي " الذي أدرك الأهمية الإستراتيجية للمعلومات وتقنيتها وعمل على استمرارية تسخير موارده لتوفير وتطوير تجهيزات المعلومات وأساليب التعامل معها جمعاً وحفظاً وتحديثاً واسترجاعاً وتحليلاً لخدمة أغراضه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لزيادة رفاهيته أمنياً وصحياً واقتصادياً واجتماعياً " ( يغمور ورفاقه : 1417هـ ، 3 ) . ومن الملاحظ أن أغلبية المنتمين للوسط المعلوماتي يمارسون الأنشطة والبرامج المتعلقة بإنتاج المعلومات ومعالجتها واستثمارها ، ولديهم معرفة بتوظيف التقنية في تجهيز الخدمات .3- تجهيز المعلومات : يقصد بمصطلح تجهيز المعلومات Information Repackaging أو تعبئتها جميع الأساليب والوسائل والأشكال التي تستخدم بغرض تشكيل المعلومات في قوالب تلبي احتياجات المستفيدين ، وتنسجم مع سلوكياتهم في البحث عــن مصــادر المعــرفــة . وعــادة توجــد في كــل مجتمع مجموعة من المرافق ( المكتبات ومراكز المعلومات ) المعنية بتجهيز وتقديم منتجات أو خدمات المعلومات للباحثين بطرق ووسائط متعددة ، حيث تعمل تلك المرافق كوسيط بين منتجي المعلومات ومحتاجيها من أفراد ومجموعات . 4- مؤسسات المعلومات : مع أن مصطلح مؤسسات المعلومات مصطلح رحب ، ويمكن أن يتسع ليشمل مختلف مصادر المعلومات في المجتمع بما في ذلك المكتبات ودور النشر ومراكز الأرشيف والتوثيق والإحصاء ومراكز البحث العلمي في القطاعين الحكومي والخاص ، فقد تم تقليص نطاق المفهوم في الدراسة الحالية بحيث يقتصر على نماذج مختارة من المكتبات ومراكز المعلومات في المملكة التي لها إسهام واضح في دعم الصناعة المعلوماتية . وعلى الرغم من أنه يصعب وضع حد فاصل بين المكتبة ومركز المعلومات ، حيث يوجد تداخل شديد بينهما ، إلا أنه يمكن القول إن المكتبات هي مؤسسات ثقافية تعليمية اجتماعية تعنى بجمع أوعية المعلومات وتنظيمها وتيسير استخدامها ، بما في ذلك المكتبات العامة والجامعية والمتخصصة والوطنية. أما مراكز المعلومات فهي مؤسسات تجنح نحو التخصص الموضوعي ، وخدمة فئات متماثلة من المتخصصين والخبراء ، وهي في العادة تقدم خدمات أكثر تطوراً من تلك التي تقدمها المكتبات ، وتكون ملحقة بمؤسسات بغرض خدمة منسوبيها .5- خدمات المعلومات : يقصد بالمفهوم اللفظي لخدمات المعلومات Information Services الناتج النهائي الذي يحصل عليه المستفيد من المكتبة أو مركز المعلومات ، في حين أن المفهوم الإجرائي في هذه الدراسة يقتصر على الخدمات التي تنعكس على المستفيدين بشكل مباشر ، والتي تستند على الحاسب في إنجازها ، وذلك على النحو الذي تم قياسه في استبانة الدراسة الملحقة ، حيث شمل مفهوم الخدمات العديد من المجالات التي لها صلة بتحليل المعلومات ، والإجابة عن الأسئلة المرجعية ، وتوظيف التقنية في خدمة المستفيدين .6- القوائم الاستنادية : يقصد بالقوائم الاستنادية Authority Lists أو أدوات الضبط الاستنادي تلك الأدوات الضرورية التي تساعد على تقنين الممارسات الفنية في المكتبات ، وتعمل على توحيد إجراءات معالجة أوعية المعلومات ، وبالتالي الحد من الاجتهادات الفردية . بما في ذلك قوائم رؤوس الموضوعات ، والمكانز ، وقوائم أسماء المؤلفين والهيئات ، وغيرها ( السالم : 1417هـ ، 25 ) .7- تطويع التقنية : يشمل مفهوم تطويع تقنية المعلومات جميع المحاولات والجهود المبذولة بهدف تحوير الأجهزة والنظم المستوردة وأقلمتها لتلبية احتياجات المكتبات المحلية ، بما في ذلك إنشاء وتطوير قواعد المعلومات المحلية ، وتعريب البرامج الأجنبية ، وتقديم الخبرات والاستشارات للجهات الأخرى التي تحتاجها ، وغير ذلك من العمليات والنشاطات الأخرى .مجتمع الدراسة :يتكون مجتمع الدراسة الحالية من مختلف أنواع مؤسسات المعلومات في المملكة التي لها دور ملموس وإنجاز واضح في مجال صناعة المعلومات ، بما في ذلك المكتبات العامة ، والجامعية، والمتخصصة ، والوطنية ، ومراكز المعلومات . ونظراً لصغر حجم المكتبات الجامعية في المنطقة فقد وقع الاختيار عليها جميعها، فيما عدا مكتبة جامعة الملك خالد في أبها فقد استثنيت نظراً لحداثتها، ولذا تم الاقتصار على سبع مكتبات مركزية موزعة على الرياض ، وجدة ، ومكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، والظهران ، والدمام . أما المكتبات الوطنية فلا يوجد أصلاً إلا مكتبة واحدة من هذا القبيل ( مكتبة الملك فهد الوطنية ) ، ولذا فطبيعي أن يقع عليها الاختيار وحدها . في حين أن بقية المؤسسات تم تحديد نماذج مختارة منها . ففي حالة المكتبات العامة وقع الاختيار على حالة واحدة (مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض) بوصفها أنموذجاً حديثاً للمكتبات العامة على مستوى المملكة ، ولها مكانة معروفة بين المتخصصين ؛ إضافة إلى ما لها من تجارب ناجحة في صناعة المعلومات . وفي حالة المكتبات المتخصصة ، تم تحديد مجموعة من المؤسسات المعروفة بإسهاماتها في هذا الصدد، بما في ذلك مكتبة معهد الإدارة العامة ، ومكتبة وزارة التخطيط ، ومكتبة مستشفى الملك خالد التابع للحرس الوطني بجدة ، وذلك بوصفها نماذج مختارة للمكتبات المتخصصة في المملكة ، وأيضاً لتفاوت تبعيتها الإدارية ( وزارة ، مستشفى ، معهد ) .أما في حالة مراكز المعلومات ، فقد وقع الاختيار على مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ، ودارة الملك عبدالعزيز ، ومركز المعلومات بالبنك الإسلامي للتنمية ، ومركز معلومات مجلس التعاون الخليجي . في حين أنه تم استثناء المكتبات المدرسية ( كما سبقت الإشارة إلى ذلك ) نظراً لضعف إسهامها في هذا المجال .والحقيقة أن جميع النماذج المشار إليها وقع عليها الاختيار لتمثل المجتمع الكلي ، نظراً لتميزها في مجال الصناعة المعلوماتية ، حيث تتوافر لها الظروف المناسبة من حيث جودة المجموعات، واكتمال التجهيزات الآلية والفنية ، ولها تجارب قائمة مع توظيف تقنية الحاسب في إنتاج المعلومات وتقديم الخدمات .المنهجية والخطوات الإجرائية :لتحقيق الأهداف المرسومة سلفاً لهذا الجهد العلمي ، فقد قام الباحث باستخدام المنهج الوصفي ( المسحي ) بوصفه الأنسب لمعالجة الظاهرة قيد البحث . ذلك أن هذا النوع من المناهج يساعد على وصف الظواهر المعاصرة ، وتحقيق الأهداف المنشودة ، والإجابة عن الأسئلة المطروحة ، والتعرف إلى بعض الحقائق التفصيلية حول الموضوع الذي نحن بصدده، مما يمكن الباحث من تقديم وصف شامل ، وتشخيص مناسب للظاهرة تحت الدراسة .وتم جمع المعلومات المطلوبة من خلال الاستعانة بأكثر من أداة ، وذلك على النحو التالي :1- مراجعة الإنتاج الفكري المتعلق بالموضوع باللغتين العربية والإنجليزية .2- تصميم استبانة لقياس المتغيرات الأساسية للدراسة .3- القيام بزيارات ميدانية للمؤسسات المشاركة في مجتمع الدراسة ، وذلك بغرض التعرف عن كثب إلى واقع تلك المؤسسات ، ومدى إسهامها في صناعة المعلومات ، وما تواجهه من صعوبات في هذا الصدد ، ودراسة المشروعات التعاونية التي تبنتها .4- إجراء مقابلات شخصية مع المشرفين على تلك المؤسسات والعاملين فيها.5- الاطلاع على التقارير المنشورة وغير المنشورة حول موضوع الدراسة .6- توظيف الملاحظة وخبرات الباحث في دراسة الموضوع .وكان من الطبيعي أن يتم التركيز على أسلوب الاستبانة لجمع المعلومات المطلوبة ؛ نظراً لتوزع مواقع المشاركين في مجتمع الدراسة على مناطق متباعدة . ومن المتعارف عليه من الناحية المنهجية أنه بالبرغم مما للاستبانة من ميزات وعيوب كأداة للمعلومات المزمع جمعها ، فهي تعد من أفضل الأدوات التي يمكن استخدامها للحصول على معلومات من مجتمعات مشتتة مع توفير الوقت والجهد والمال . ولتصميم الاستبانة ، فقد حرص الباحث على الاطلاع على النماذج المستخدمة في الدراسات السابقة مع إجراء بعض التعديلات عليها ، ومن ثم إخراجها بشكل يناسب طبيعة الدراسة الحالية . وقبل توزيع الاستبانة بشكلها النهائي جرى اختبارها (تحكيمها) مبدئياً ، وذلك من خلال إرسالها إلى عينة من الخبراء والمتخصصين والمهتمين بالبحث العلمي في المجال ، وكانت ردودهم بشكل عام مشجعة . وقد قاموا بإبداء بعض الملحوظات البسيطة ، وبالتالي تم إجراء بعض التعديلات على الاستبانة قبل طباعتها وإخراجها بشكلها النهائي .وبعد ذلك بدأت مرحلة إرسال الاستبانات إلى المجتمع المشارك في الدراسة المسحية، حيث تم إرسال ( 17 ) استبانة ، وتم إرفاق خطاب رسمي مع كل استبانة بغرض حفز المشاركين على إنجاح مشروع الدراسة . وفي هذا الخطاب طلب من المشرفين على الجهات المشاركة القيام بمهمة تعبئة الاستبانة ، وتم توضيح الغرض من الدراسة، وتطمين المشاركين على أن إجاباتهم ستحظى بمنتهى السرية . وتتكون الاستبانة من (11) محوراً ، تشتمل على (26) سؤالاً (الملحق رقم 1)، وذلك على النحو التالي : 1- المحور الأول : معلومات عامة ، تناول اسم الجهة المشاركة ، والمؤسسة التي تتبعها، وسنة إنشائها .2- المحور الثاني : المعالجة الفنية ، ركز على استخدام الحاسب في مجالات التكشيف والاستخلاص وإعداد الفهارس المحسبة .3- المحور الثالث : الخدمات المرجعية ، تمحور حول الخدمات التي تستند على الحاسب في إنجازها ، بما في ذلك طباعة المستخرجات ، وإيصال الوثائق ، وتوفير الأدوات المرجعية المحسبة .4- المحور الرابع : الضبط الببليوجرافي ، شمل مختلف أنماط القوائم الببليوجرافية ، وقوائم الاستناد المتوافرة في الجهات المشاركة في الدراسة .5- المحور الخامس : الإحاطة الجارية ، غطى هذا المحور مجالات الإحاطة المتمثلة في نشرة الإضافات ، ونشرة المستخلصات ، والاتصال بالمستفيدين عبر البريد الإلكتروني ، والبث الانتقائي للمعلومات .6- المحور السادس : تطوير التقنية وتطويعها ، تناول هذا المحور جهود المؤسسات المشاركة في تصميم قواعد المعلومات المحلية ، وخدمات الاتصال المباشر ، والربط الشبكي ، وإتاحة الفهارس عبر شبكة الإنترنت ، وتعريب البرامج الأجنبية .7- المحور السابع : صناعة النشر ، تناول أبرز إسهامات مجتمع الدراسة في مجال النشر العلمي بشقيه التقليدي والإلكتروني .8- المحور الثامن : التكامل بين مؤسسات المعلومات ، عالج هذا المحور التعاون والتنسيق ( في حالة وجوده ) بين الجهات المشاركة في مجال صناعة المعلومات من حيث نطاق التعاون ومجالاته .9- المحور التاسع : الصعوبات والمشكلات ، ركز على الصعوبات التي تواجهها مؤسسات المعلومات في المملكة ، وتحد من التعاون والتنسيق بينها ، وأبرز الحلول التي يمكن أن تسهم في تذليل تلك الصعوبات .10- المحور العاشر : الإشراف والتنسيق ، عالج قضية الجهة أو الجهات التي يرى المشاركون أنها مؤهلة للإشراف على المشروعات التعاونية .11- المحور الحادي عشر : مقترحات المشاركين ، طلب من المشاركين في هذا المحور تسجيل ما لديهم من آراء ومقترحات تسهم في تحسين الوضع الراهن لصناعة المعلومات في المملكة ، وتعزز مبدأ التكامل وتوحيد الجهود بين المؤسسات المعنية بهذه الصناعة الحيوية .وعلى أي حال ، فقد كانت الأسئلة جميعها مغلقة ومحددة ، حيث يمكن الإجابة عنها بأقل وقت وجهد ، إضافة إلى سهولة تحليلها ، أما المحور الأخير المتعلق بمقترحات المشاركين في الدراسة فقد ترك مفتوحاً ليعطيهم حرية تسجيل ما لديهم من مقترحات وانطباعات تجاه الظاهرة موضوع البحث ، ولذكر بعض الجوانب التي ربما غابت عن ذهن الباحث ، ولم ترد في أسئلة الاستبانة . وقد مرت عملية إرسال الاستبانات وجمعها بمرحلتين ؛ حيث تم في المرحلة الثانية إرسال خطاب إلحاقي Follow – Up Letter للجهات التي لم ترد على الاستبانة الأولى. وبشكل عام فقد كان مجموع الاستبانات الراجعة مشجعاً ، حيث أعيدت جميع الاستبانات المرسلة معبأة ومكتملة البيانات وصالحة للتحليل الإحصائي ، بما يمثل نسبة 100% من مجموع عينة الدراسة الفعلية . وتم تحليل جميع الاستبانات المعادة نظراً لاكتمال بياناتها كما سبقت الإشارة إلى ذلك .بعد تجميع البيانات اللازمة عن طريق الأداة الرئيسة ( الاستبانة ) والأدوات الأخرى المساندة ( الزيارات والمقابلات الشخصية والاتصالات الهاتفية والملاحظة ) قام الباحث بمراجعة الاستبانات مرة أخرى بغرض التأكد من دقة الإجابات وجديتها ، وتم بعد ذلك ترميزها وتفريغها في جداول . ونظراً لصغر حجم مجتمع الدراسة فقد تمت معالجة الاستبانات يدوياً دون الحاجة لاستخدام الحاسوب ، ومن ثم بدأت مرحلة التحليل الإحصائي ، وذلك من خلال توظيف أسلوب الإحصاء الوصفي المتمثل في رصد التكرارات والنسب المئوية لجميع المتغيرات التي عالجتها الدراسة ، وذلك بوصفها من الناحية العلمية دراسة استطلاعية أو استكشافية Exploratory Study . ويؤمل أن يخرج هذا الجهد العلمي بمعطيات تكشف النقاب عن واقع صناعة المعلومات في المؤسسات المعنية في المنطقة ، وتبين مدى استعدادها للتعاون والتنسيق في هذا المجال ، وتناقش ما قد يعتور المشروعات التعاونية من مشكلات ، وتطرح الحلول لها . ويمكن أن يستأنس بتلك المعطيات المسؤولون والمخططون لقطاع المعلومات في المملكة ، لما تحمله من حقائق صادقة مستمدة من الدراسة العلمية للظاهرة على أرض الواقع ، وبذلك يمكن توحيد تلك الجهود المبعثرة ، ولم شتاتها تحت مظلة واحدة ، والارتقاء بصناعة المعلومات من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني ، وذلك في ضوء إستراتيجية تضبط شؤون هذه الصناعة ، وتحدد المعالم الرئيسة للنهوض بها . وفي الوقت نفسه ، يمكن الإسهام في نشر وتعزيز ثقافة الصناعة المعلوماتية في المجتمع ، حيث أصبحت سمة جوهرية من سمات المجتمعات المعاصرة . ويوضح الفصل الثالث المعطيات التي خرجت بها الدراسة الميدانية .الدراسات العلمية السابقة :لقد حظي الموضوع محط الدراسة ببعض البحوث النظرية والدراسات الميدانية التي أسهمت في كشف النقاب عن طبيعته وأبعاده والعناصر المكونة له ، وخرجت ببعض المعطيات التي كان لها دور في إثراء الرصيد المعرفي في المجال ، وتحسين الممارسات الحالية. ومن خلال الاطلاع الفاحص على ما نشر من أدبيات في هذا السياق استطاع الباحث رصدها في ثلاث فئات رئيسة ، وذلك على النحو الآتي :1- الفئة الأولى : وتشمل التقارير والنشرات والكتابات الإعلامية التي تتحدث عن صناعة المعلومات في المملكة من منطلق إعلامي ، ويغلب عليها الأسلوب الدعائي واللغة الإنشائية لكونها تعكس تجارب محلية لدى بعض الجهات ، وفي الغالب قام بكتابتها أشخاص محسوبون عليها، وبعض المعلومات والإحصاءات الواردة في تلك الكتابات لا تخلو من المبالغات وتضخيم الأرقام .2- الفئة الثانية : وتشمل البحوث والمقالات النظرية التي صدرت عن الباحثين ومعظمهم من الأكاديميين ، وهي تعكس في الغالب تجاربهم الشخصية وانطباعاتهم الذاتية من خلال معايشتهم للواقع ، وملاحظة ما يجري على الساحة من تطورات .3- الفئة الثالثة ، وتشمل الدراسات الميدانية التي تعتمد على المنهجية العلمية في تناول الموضوع ، وهي على أي حال نادرة ، وتثار حولها بعض الملحوظات العلمية والمنهجية، كما ستكشف عن ذلك السطور اللاحقة . ولن نتعرض في هذه العجالة للدراسات التي تندرج تحت الفئتين الأوليين ، حيث لا تهمنا الفئة الأولى ( الدراسات الإعلامية ) ، أما الفئة الثانية ( البحوث النظرية ) فقد تم تغطيتها في مواضعها المناسبة من الدراسة . وبالتالي فإن ما يهمنا حقيقة هو الفئة الثالثة المتعلقة بالدراسات العلمية ، حيث تم عرضها في السطور اللاحقة وفقاً لتاريخ صدورها . ومن نماذج تلك الدراسات العلمية دراسة صالح المسند ( 1995م ) عن خدمات المعلومات بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية خلال الفترة 1409 – 1414هـ، وكان الهدف من هذه الدراسة هو معرفة طرق الإفادة من خدمات المركز ، والبيئات التي ينتمي إليها الباحثون ، ونوعية المعلومات التي يحتاجونها ، ومن ثم توظيف المعطيات في تطوير الخدمات الحالية والتخطيط لخدمات جديدة . وتكون مجتمع الدراسة من جميع الباحثين الذين استفادوا من المركز خلال المدة المشار إليها . واعتمد الباحث في المسح الميداني على تحليل بيانات التقرير الإحصائي السنوي خلال النطاق الزمني للدراسة، وطبق منهج دراسات المستفيدين. وأظهرت نتائج دراسة المسند أن معظم من استفاد من خدمات المعلومات الطلاب الجامعيون ، وأغلبهم من الذكور الذين يعدون أبحاثاً جامعية . وحظيت المصادر العربية بالنصيب الأكبر خاصة فيما يتعلق بعلوم الدين الإسلامي والعلوم الاجتماعية والجغرافيا والتراجم والتاريخ . وبناء عليه فقد اقترح الباحث دراسة إمكانية التوسع في إعداد ونشر قواعد المعلومات المخزنة على الأقراص الضوئية، واستخدام التقنيات الحديثة في توصيل الوثائق إلى المستفيدين في مختلف أرجاء المملكة ، واستكمال إعداد المكانز وأدوات التحليل الموضوعي بغرض كسب رضا المستفيدين ، والتوسع في نوعيات الخدمات التي يقدمها المركز للمستفيدين مثل الإحاطة الجارية ، والبث الانتقائي للمعلومات ، وتيسير وصول المستفيد إلى قواعد المعلومات المحسبة من خارج المركز ( المسند : 1995م ) .وثمة دراسة أخرى قامت بها شعاع أبوعوف ( 1416هـ ) عن مكتبات مستشفيات مدينة جدة ، بغرض معرفة مدى استخدام الأطباء لمصادر المعلومات المتوافرة ، ومستوى الخدمات المقدمة في تلك المكتبات ، ونشاطها في مجال صناعة المعلومات . وشمل مجتمع الدراسة أمينات المكتبات ، والأطباء العاملين في مستشفى الملك فهد العام ، ومستشفى جامعة الملك عبدالعزيز ، ومستشفى الملك فهد للقوات المسلحة ، ومستشفى الدكتور سليمان فقيه . وبلغ عدد الذين شملتهم الدراسة 267 طبيباً من مجموع 412 طبيباً ( بنسبة 64.8%) ، إضافة إلى خمس أمينات مكتبات . وكان من أهم النتائج التي أسفرت عنها دراسة أبو عوف أن الأطباء يواجهون بعض الصعوبات عند استخدامهم لمصادر المعلومات في المكتبات المدروسة مثل غياب تقنية المعلومات الحديثة التي تسهل عملية إيجاد المعلومات المطلوبة ، ونقص الخدمات الإرشادية والتعريفية بالمكتبة. ومن ضمن ما انتهت إليه الدراسة من توصيات ضرورة مد مكتبات المستشفيات بالتقنية الحديثة اللازمة لتطوير خدماتها ، والعمل على إصدار الفهارس وأدوات الضبط الموحدة للمكتبات الطبية ، وتأسيس البرامج التعاونية بين المكتبات الطبية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire